منوعة

بورتريه: حول شخصية الأديب والباحث الجزائري خدوسي رابح ◾كتبت: مدير وكالة

كتبت: مدير وكالة الراصد الدولي للأنباء فرع الجزائر: سمية معاشي 

🔻بورتريه: حول شخصية الأديب والباحث الجزائري خدوسي رابح

◾كتبت: مدير وكالة الراصد الدولي للأنباء فرع الجزائر: سمية معاشي

______

▪️يعدّ الأديب والباحث الجزائري رابح خدوسي من الشخصيات التي تتقاطع فيها الجوانب العلمية الثقافية مع تلك الإنسانية الرفيعة، متجسدة في أعماله الأدبية والعلمية التي جعلته واحدًا من أبرز الأسماء في الساحة الأدبية الجزائرية والعربية. حياته ومؤلفاته تروي قصة حبّ عميقة للعلم والأدب، وتفتح نافذة على روح جزائرية عميقة، حافلة بالثراء الثقافي والتاريخي.

خدوسي الذي لا يمكن تجاهل تواضعه الجم رغم مكانته الكبيرة في مجاله، يتحلّى بسمات الباحث الأكاديمي الذي يسعى إلى توثيق التاريخ المحلي والإقليمي بمنهج علمي رصين. فمؤلفاته ليست مجرد كتب أدبية تروي سردًا تاريخيًا، بل هي أبحاث حافلة بالتحليل والنقد التاريخي، وتنقيب دقيق في أعماق الجغرافيا الاجتماعية والثقافية الجزائرية. ومن أبرز أعماله التي تجسد هذا المنهج: “البليدة أسماء ومعالم”، “البليدة علماء وأدباء”، “البليدة مدينة الورود والبارود”، و”البليدة في عيون الرحالة وقصائد الشعراء”.

من خلال عمله العميق حول مدينة البليدة،، أظهر قدرة استثنائية على توظيف الأدوات البحثية التي تحلل وتتبع كل خيط من خيوط التاريخ الثقافي، حيث كان ينسج من خلال كتاباته صورة حية عن هوية مدينة مغلفة بين نضارة الورود وبصمات البارود، بلغة فلسفية تنبض بالحياة.

وعندما يتناول البليدة في مؤلفاته، ليس فقط يتحدث عن معالمها الجغرافية أو أساطيرها، بل يستحضر أسماء وشخصيات علمية وأدبية نمت في أحضان تلك الأرض. فهو لا يقتصر على تقديم السيرة الذاتية، بل يخلق جسورًا بين الحاضر والماضي، مستمدًا من رحلة الرحالة والشعراء تصورًا عميقًا عن الذاكرة الثقافية الجزائرية. في “البليدة في عيون الرحالة وقصائد الشعراء” يُظهِر خدوسي جمالية الفكر الفلسفي، محاكيا الحركة الفكرية في العالم العربي وكيف تأثرت بها الجزائر، حيث يدمج بين الجغرافيا والسياسة والثقافة في رؤية نقدية عالية.

رغم الثقل العلمي والأدبي الذي يحمله اسمه، يعتبر رابح خدوسي نموذجًا للتواضع والنزاهة في التعاطي مع المعرفة. فهو يظل متواضعًا في كتاباته وفي حضوره الأدبي، وكأنّه يسعى دائمًا إلى نقل المعرفة للأجيال القادمة بدون تبجّح أو استعلاء. وهو في ذلك يذكّرنا بأبناء العلم والفكر الذين لا يرون في أنفسهم أكثر من ناقلين للحقيقة التي تهدف إلى خدمة المجتمع وتثري تجربته.

إلى جانب ذلك، استطاع أن يكون عضوًا فاعلًا في المشهد الثقافي الجزائري والعربي، حيث تصدّت أعماله لما يمكن أن نطلق عليه “التحديات الثقافية” التي فرضتها مجتمعاتنا المتغيرة. فهو لا يقف عند حدود التنقيب في التاريخ، بل يطرح أسئلة فلسفية في إطار نقدي تتعلق بالهوية الثقافية والفكرية للأمة، مستفزًا القارئ للتفكير في أسئلة وجودية حول علاقة الفرد بالمجتمع، وبين الماضي والحاضر.

كما يُعدّ ليس فقط باحثًا، بل شاعرًا ورؤيويًا يفتح آفاق الفكر العربي المعاصر. من خلال أعماله، يعيد تفسير وتقييم العلاقة بين الأدب والعلم، بين الشعر والفلسفة، بين التاريخ والتوثيق. فهو في مسيرته الثقافية قدم جملة من الأسئلة المعرفية التي تمكّن القارئ من الغوص في جوانب متعددة للحياة الجزائرية، بل والعربية. في أسلوبه، نجد التوازن بين المنهج العلمي والخيال الأدبي، الذي يعكس قدرة فريدة على استكشاف الجوانب المخفية في التاريخ والثقافة.

خدوسي، في كونه أديبًا باحثًا متواضعًا، أصبح مثالًا للأجيال القادمة في كيفية الحفاظ على التراث الثقافي وإعادة صياغته بطرق مبتكرة. فغالبًا ما يكون البحث في فكر هذا الرجل دعوةً للتأمل والتفكير النقدي، دعوةً للتمسك بالثقافة الحية التي لا يقتصر دورها على حفظ الماضي بل على إنتاج معارف جديدة قادرة على النهوض بالفكر العربي المعاصر.

__________

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار