فلسفة الحرمان بقلم الأديب /محمد عبد المرضي منصور جمهورية مصر العربية

فلسفة الحرمان بقلم الأديب /محمد عبد المرضي منصور جمهورية مصر العربية
حب الامتلاك غريزة عند الإنسان لكن إحساس الحرمان مؤذٍ وقاتل أحيانا، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ . الآية١٤ سورة آل عمران
أليس حب الناسِ للقناطير المقنطرة من الذهب الفضة والأنعام والحرث هو حب امتلاك؟
فإذا بحثنا في أسرة مكونة من أب وأم وأخ وأخت وسألنا الأخ مما حُرمت؟ سيجيب بأنه حرم نعمة الأخ ويفتقد وجود أخ في حياته، وكذلك إذا سألنا البنت ستجيب: أفتقد وجود أخت في حياتي. أما إذا كانت الأسرة فيها أخوين ذكور وبنتان وسألنا الولد الأكبر عما يفتقده، سيخبرنا أنه يفتقد وجود أخ أكبر في حياته يأخذ منه المشورة ويحس معه بالعطف وسنجد أنه وضع في خياله صفات معينة للأخ الأكبر يجدها في بعض الأقارب أو الجيران أو غيره، وهو تعويض نفسي لما ينقصه، وكذلك لو سألنا البنت الكبرى ستخبرنا بأنها حرمت من أن يكون لها أخت تكبرها لتنهل من عطفها وعلمها، أما لو سألنا الولد الأصغر أو البنت الصغرى ستكون الإجابة بأنهما يفتقدان وجود أخ أو أخت أصغر في حياتهما ليعطيا لهما من حنانهما لأن العطاء يريح القلب فالإنسان جُبل على العطاء لا البخل، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠) ﴾ . سورة الليل، العطاء أو الكرم من صفات الخالق التي وضع بعضا منها في قلوب العباد، والعطاء هو امتلاك نفسي وإظهار لصفة الكرم، فالمعطي يمتلك داخله إحساس حسن بالعطاء
مما سبق نجد أن شهوة الامتلاك عامة سواء كانت ناتجة عن العطاء أو الأخذ يُسيطِر عليها إحساسُ الرضا وهو إحساس أقوى من إحساس الشهوة، فالرضا يسيطر على جميع الشهوات مثل شهوة امتلاك أسماك وعصافير الزينة أو امتلاك الأراضي والمشاريع والبيوت والقصور والاموال أو أي نعمة أخرى؛ فالإنسان يحب امتلاك كل ما حرم منه.
كما نجد أن الطفل اليتيم يعتبر كل الرجال بمثابة الأب، والرجال الأسوياء يميلون إلى الطفل اليتيم ويعاملونه معاملة الآباء للأبناء بل يعطفون عليه أكثر من عطفهم على أبنائهم أحيانا وكأن اليتيم له آباء عديدة، كما نجد الإنسان العقيم السويُّ يحس أن كل الأطفال أبناؤه، وكذلك الغني السوي يحس بالمسؤولية تجاه الفقراء، والفقراء الأسوياء يحسون بمسؤولية الحفاظ على مال الغني سواء شركة أو مزرعة أو بيت أو غيره؛ لذا نجد أن الرضا بالنعم الموجودة يزيل إحساس الحرمان، فالحرمان المادي عوِّص بإحساس امتلاك معنوي.
ولذلك أيضا لا يحسد المحروم السوي أخيه الآخر على أي نعمة، وكأن المحروم مُنع من امتلاك نعمة مادية لكنه اِمتلك البديل معنويا وهو الرضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العين حق). متفق عليه. وقال أيضا: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله عز وجل إيماناً يجد حلاوته في قلبه).
النظرة عامة في الحديث الشريف ولم تقتصر على الجنس، الإنسان الراضي السوي قوي الإيمان لا يحس أبدا بالحرمان في قلبه لأن الله أثابه إيمانا يجد حلاوته في قلبه. ومن هنا نجد أن قوة الإيمان تقتل إحساس الحرمان، وهذا الإيمان يخلق نعمة الرضا فالمؤمن القوي المحروم من نعمة ما يكون داخله إيمانا بأن هذه النعمة لا تصلح له، ولو كانت تصلح له لأعطاها الله له. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “ذروة سنام الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل.
لذا فالرضا من الإيمان والإيمان قاتل الحرمان.
محمد عبد المرضي منصور
أديب مصري