أُميّة قصة قصيرة بقلم/ جليل كريم.. جمهورية العراق
أُميّة قصة قصيرة بقلم/ جليل كريم.. جمهورية العراق
في الثاني والعشرين من حزيران عام 2014 م كانت أُمَيّة ناجي الجبارة قابضةََ بقوّةٍ على سلاح “الكلاشنكوف”… اغرورقت عيناها بدموع سخينة ناقمة، مستذكرة دماء أبيها حينما قتلته القاعدة أثناء عودته من الحج، تلك الكلاب المسعورة التي لا تولي حرمة حتى لأولئك القادمين من بيت الله الحرام.
من خلف الساتر الترابي، وعلى مقربة من أبناء عمومتها وأهالي ناحية العلم* راحت تترقّبهم تَرَقُبَ لبوةٍ لفرائسِها…
في تلك اللحظة رأت أمامَها أباها وإخوتها وعمّها وأبناء جلدتها ممّن كانوا ضحايا تنظيم دموي بشع مدفوع الثمن. شعرت بقشعريرة سرت من سبّابتها الماسكة على الزناد ثمّ انحدرت تلك الصعقة الموخزة إلى أنحاء بدن نافر مستعر متأهب، وها هي ذي تُترجم ذلك كلّه بنظرة محاذرة لاصطياد مخلوقات منقرضة متعفّنة قد انبجست للتو من عالم سحيق ودبّت الحياة في أوصالها، وانتُزِعت إلى عالمنا من عصور ما قبل التاريخ!
تأمّلت قهقهات أسرتها كما لو أنّها تنبثقُ وتتعالى من جنب مياه دجلة أو من موضع ما من أثير ناحية العلم فتخترق لباب ذاكرة مكلومة بصدى أصوات هي أقرب إلى شغاف قلبها من أي شيء آخر في حياتها، كانوا هم وطنها الأرحب ولم تزل دماؤهم ترسم خارطة أريد لها أن تتفتّت!
وما إن رأت قطعانهم المخدّرة بترياق عقيدة زائفة، تتقدم جهتهم ببيارق سود خُطَّ عليها الشهادتين كما خطَّها من قبل وتلفّع تحت عباءتها حُكّام الجور والمجون وهم يُوهمون العامَّة بأنّهم خُلفاء الله على الأرض أو رُسل السماء لإظهار الشريعة الحقّة، وتحت هذه الادعاءات قُتل في تفجيرات انتحارية شيوخ ونساء وصبية في الأسواق والمدارس وعتبات المراقد ودور العبادة.
تقحَّمت أميّة ببسالتها ميدان غزوهم الأرعن، تحتضن صفوف متاريس التراب أحتضان أمّ لرضيع أوحد، أو حبيبة لحبيبها ودنياها، فتقبض على سلاحها كما تقبض العروس ذراع عريسها، وها هي ذي تطيح برأسٍ متحجّرٍ فشَكَّل مقتله بلسمًا ضمّدَ بعض جراحات روح متأجّجة ملتهبة، وعند سقوطه أنشدت في الحال إهزوجة حماسية لطالما ردَّدت كلماتها بحنجرة ذات بحّة شجيّة متناسقة مع أصوات رفقاء السلاح:
“الديرة من يثگل حِمِلهَ مالهَ إلّا أهلهَ”
أردَتْ الثاني قتيلًا بعد أن سوّلت له طبيعة هي أدنى مرتبة من طبائع وحوش فطرها الله لا لعداء أحد وإنّما لدفع ألم جوعها كيلا ينقرض نوعها من البر أو البحر.
أسقطت ثالثًا بعد أن هجم نحوهم بكلّ ما أوتي من غسيل دماغ خاو وهو يهمُّ تفجير نفسه إرضاءً لخرافة مأفونة تقوقعت في دهليز مظلم من دهاليز رأسه تحثّه على الموت فورََا لينال مأدبة غداء مع النبيّ.
كانت أميةُ جسورةََ في أن تتحدَّى كلَّ ترّهاتهم ونفاقهم وافتراءاتهم إذ زحفوا كنمل من شرق العالم وغربه ليقيموا ها هنا دولتهم …
وعلى حين فجأة ومن على ذلك الساتر الترابي هوَتْ أمية ناجي الجبارة إثر رصاصة قنّاص قد اخترقت أحشاءها… تَضَمّخَ الساتر بحنّاء دم عبق تماهى مع أريج آخر تضوع من أزاهير حمر ظمأى.
رمقت السماء بنظرة ضاحكة! خارقة ببصرها حجب مرئيات الغيب لتعاين أحبتها وهم يومِئُون إليها بالقدوم صوب عالمهم الآخر إلى حب وسلام نقيين أبديين.
في اليوم التالي حَملتْ عشائرُ الجبور جنازَتَها مطلقين أهازيج “وهوسات” مُدوية، هي أقرب إلى زمجرة الرعود منها إلى أصوات الهتافات.
٢٠١٤
_____________
* ناحية العلم
ناحية تابعة لمحافظة تكريت وتبعد عنها 16 كم. حدودها من جهة الغرب مركز تكريت، ومن جهة الشرق جبال حمرين ومن الشمال قضاء بيجي ومن الجنوب قضاء الدور.