الثقافة والفن

ذاكرة على أرصفة المنفى مصطفى محمد كبار  حلب سوريا

ذاكرة على أرصفة المنفى مصطفى محمد كبار

حلب سوريا

 

إلى أين تأخذني الحياة

يا أبي

إلى جهة الريح يا ولدي

و هل سأنجو هناك بذاك المسير الطويل

في سفري

أم سترهقني الإحتمالات فأتوه دون أن

يدلني الزمان على الزمان

امضي يا ولدي إلى هناك دون أن تنظر للوراء

فتغتالك بقايا الذكريات

فلما إذاً نقشتني في الحجر و تركتني للزمان

المنسي هناك فكسرتني

لما رجعت من حياتي إلى موتك المشتهى

يا أبي دون أن تحملني معك لعالم

النسيان

ماذا فعلتْ بكَ الحياة يا ولدي

لقد تركتك ولداً معافاً من الخيبة فلما تعاشر

الآن الأموات الخائبين

أنا غريبٌ يا أبي هنا غريب فلقد سرقوا مني

كلَ لعبي و زمني

و سرقوا كل حياتي و كم كسروني و حطموني

ثم رموا بجنازتي للكلاب

و لم أعد أنفع للحياة من بعدكَ لأحيا إن

كانت هناك حياة

هنا كل الدروب مسدودة في وجهي متصلبة

و تشنقني كل العناوين

أنا هنا يا أبي لست إلا لعنة الأموات القدامى

فأغفو حيناً على صدر الموت و حيناً

أبكي على الرحيل

هنا كل الكلام بات حجرٌ يا أبتي و كل القلوب

هنا صارت حجراً فكسرتني

الأمنيات

و لست أنا من أتكلم مع القصيدة بكل مساء

يا أبي فأبوح لها بلغة الأحياء

و لست أنا من قاد قوافل الحروف لأرسم

للمحبطين لوحة الهزيمة بأوجع

الكلمات

فعبثٌ من تصالح مع وجعه و دار لا يحن

و الوجع دام به لا يستقيل

فخذني من الظلال المميت و إنحساري يا أبي

و من سواد العمر لأيام النهايات

خذني من شرودي و تعصبي من ضجر الأيام

لأخر الهزائم بعد حدودي

خذني من النكسات بذكرى صورتك المعلقة

بذاكرتي لنعش الفقيدِ

خذني لوترٍ يجسُ نبض الروح باللحن المعدِ

للتأمل بيوم عيدي

خذني للبعيد البعيد حيث جنازتي المعذبة

و انتظرني هناك لألقاك بموتي السعيدِ

و نجني من مر الزمان المر الأليم كلما تيقنتَ

يأ أبتي بأن لا حياة للمهزوم الشريدِ

خذني للبعيد إلى أبي البعيد النائم في الغياب

البعيدِ

خذني لمكانٍ خالي من العابرين لا بشرٌ فيه

يعبثون بلحم الاموات

خذني إلى زمنٍ لا هزيمة فيه

خذني إلى بيتٍ لا وداع فيه

فخذني و خذني إلى حبٍ يدق للشمس خيطاً

لدرب الروح لا إنكسار فيه

فخذني بكل الصلوات الأنبياء إلى بلدٍ

فيه كل السلام بلدٌ لا موت فيه

فأنتَ أدرى بالمكان و أنتَ الأدرى بالزمان

فمر بجنازتي من كل انكسارتي و حررني

من الإستعارات

اجعلني يا أبي حجراً على السفح الأخير

كي لا أشعر بجراحي في الهلاك

فكأنه زيف المزيف بذاكرتي هي العناوين

و هي مقتولة في الوهن أو ربما هي العناوين

مملكة الإنكسار

فهل ستعود بزمني من هناك يا أبي كي تعلمني

كيف أبدأ بخطوتي الأولى من

جديد

أم ستنجو بنفسك هناك من شرودي و من

أوجاعي الثكلى

فخذني يا أبي من لعنة المكان و من صور

الزمان العنيدِ

خذني لبعيدي من هناك إلى هناك لموتك المشتهى

من الوريدِ إلى الوريدِ

فخذني إليك من هناك إلى هناك من خللي

مع الولادة من تكالب الأيام بلعنة

الذكرياتِ

احملني بجناح الريح كالغيم المسافر من زمن الموت

إلى زمن الصمودِ

خذني بتراتيل القداسة من الغموضِ إلى الغموض

خذني اليك لزمن الجمودِ

و لا تتركني كالمطر الاعب الريح و أسقط مكسوراً

على الحجر فأبكي بحزن النشيدِ

و لا تمتحني بالوجع أكثر من وجع الموت

فعلامك تحتكر بكل صدى القصيدة لوحدك

هناك

أبتي الساعة الآن تشير إلى الثامنة مسائاً

و كل شيء هنا متجمدٌ كالحجر و بلا روح

من بعدك

كل شيء هنا يا أبي يذكرني بالموتى و

يرنو للسكون

فلما تأخرت في المجيء إلى روحي التي قتلوها

يا أبتي

لما تركتني وحيداً هنا معلقً بمشنقتي ترجمني

الرياح بجثتي على دروب الملح المكسر

قد كنت هناك يا أبتي أفيض بالإنكسار أمشي في

شارعٍ ترابي طويل لا يؤدي إلى نجاتي

طريقٌ طويلٌ طويل يا أبتي طريقٌ لا روح فيه

فلا يمشي به أحدٌ من الأحياء

لا أحدٌ هناك سواي بذاك المكان المزدحم بالذكريات

و بالحنين لا أحد غيري بذاك الفراغ

لا أحدٍ معي يا أبتي هناك يلملم معي بصورة

الزمان ليرجع الزمان ثانيةً

فالقمر هناك يا أبتي غير مكملة الملامح بليلينا

المخيب و البدر قد تكسر نوره في عتمة الغياب

و تكهل مع العمر في المدى

و كل البيوت هناك مائلةٌ للسقوط أبتي و على

جانبي الطريق صور الذكريات تعذبني أكثر

كلما مضيت سراباً

فهي تشبه كالمقابر المهجورة و هي خالية من

الموتى فهل نعود للبداية

كي نشعر بكل شيء كان لنا هناك أم نختصر

الحقيقة و نمضي على مهل

هناك و هنا كل الأبواب باتت محطمة يا أبتي

و مكسوةٍ بثوب الغبار و النسيان

هنا كل النوافذ مفتوحة على الموت بكامل

شرودها

و مكسورة الزجاج و مازال يلطمها برد الهواء

من فراغ الراحلين

فلم يبقى من زمني أحد يا أبتي ليؤنس

وحشتي في الضجر

فالوحدة في قبري الحي يكسرني حجراً حجراً

فلا تكتب كلاماً عن الذكريات

فلمن أشكو بهزيمتي و الصدى يرتعش بجسدي

ألماً شديداً و يجهدني بالغياب

لقد رحلوا يا أبي الجميع الجميع رحلوا من جسدي

برعشة الروح بدمعة السقوط و تباعدوا

ذهبوا من مكاني ذهبوا من زماني و ناموا في

الحجر هناك ساكرين

فتصارعوا الجميع بزحمة المسير وراء موتي

و هم حالمين بموتي البعيد

لقد نثروا بهذا الجسد كل أوجاعهم و هاجروا

حطموا بجدار السنين و نكلوا بنعشي و هاجروا

أخذوا مني روائحهم و كل صورهم القديمة

و هاجروا

بدلوا كل أشيائي بأشياءٍ أخرى لا معنى لها

و ضاعوا في البعد صاغرين

فأنا لا أقول بأن الحياة من بعدهم صارت

أكثر وجعاً و أعنف قتلاً يا أبي

و لن أقول ثانيةً أنا قد خنت نفسي من قبلهم

و لم أنتبه لحماقتي الطويلة و أنا أحملهم

بين الشرايين بدمائي

فماذا صنعنا بالسنين و مرها كي تخوننا زوجاتنا

كلما نهبونا منا الحياة

ماذا فعلنا لهم غير إننا أعطيناهم من لحمنا

ما يحملون حمله و كل نبضات هذا القلب

المحطم

فخذني في عجلٍ معكَ يا أبي لآخر النهايات

لآخر الحكايات

ها أنا أحمل معي بسفري الأخير ما تبقى من

الكلام إن بقي كلامٌ يشبه الكلام

الساعة الآن تشير إلى الثامنة مسائاً يا أبي

و كل شيء من حولي يشيخ يا أبي على عجلٍ

و الوحي يداهمني حرفاً فحرفاً

فعن أي شيء سأكتب يا أبتي في القصيدة

و كل الخيال لا تحيا به تلك الحروف

لا شيء ينبض الآن في المستحيل يا أبتي

لأنجو من لوعة الحسرات

فمازلت أسير تائهاً بأقدامٍ مثقلٌ بالهموم و العذاب

هناك و دون أن أذهب

و مازلت أقف هنا في مكاني متحجراً و أنا

أمشي للبعيد دون أن أعود

فخذني من هنا يا أبتي إلى هناك حيث الموت

هناك يشبهني

فجسدي لم يعد يحملني و لا الريح بات يحملني

و عظام ركبي صارت كالغبار

فوحدي مازلت أمشي على الطريق من النسيان

إلى النسيان

و أنا أرتدي بنطالاً شاحب اللون و معطفاً أسوداً

قديم مضى عليه سنوات

فعلى رأسي قبعةٌ كالخواجات لأخدع مأساتي

بزمن الحرمان

و ساعتي القديمةُ بيدي هي تدقيق للحسابات مع

الوقت فهي بلا عقارب لتوهمني بالوقت الذي

يمضي و لا يمضي

فهي لا تخبرني عن الزمن و آلة الزمن التعيس

و لا كم من الوقت بقي لأموتَ معك

يا أبي

مازلت أتفقد بين الخطوة و الخطوة بألفِ وجعٍ

عن أثري التائه في الرحيل

و الوجع هو الوجع دائم الحضور بزمني

فهو لا يبشر بالخير حينما أتوجع

و أبكي

فأشاهد الموت القريب برؤياي يا أبتي و هو

يحملني لموطنه البعيد من ذاتي

المكسور

فركام الخراب يحتل كل حياتي و حياتي مازالت

في الخراب بمكانه يأسرني في المتاهات

إني هناك أتضرع ألماً بأرض منفاي أسير عاجزاً

أن أمشي و لا أمضي لذاتي القديم

هناك شارعٌ طويل لا يفضي لراحتي في الأبدية

و لا شيء هناك يوحي بوجود الحياة

شارعٌ من الغبار يا هناك أبتي و قطٌ حائرٌ رمادي

اللون بجانبي يتفقد ظله المقطوع بمنفاي

البعيد بين وجهتين

فهو البعيد عني و مازال يلهو و يعبث من الضجر

بأكياس النايلون الفارغة على أرصفة

غربتي

فهو يحرس مرمى القمامة بوحدة الروح

المتهالكة

يقول عد إلى معجزة الحوار مع القصيدة يا أيها

الغريب فمالك مللت من مكاني و من وجع

الزمان

فنستني بين الهوامش أتقلب بنزاعات الزمن المر

بألف خيبة

فأنا سيد الزمان و زمني هو لآخري الغريب

فمالك تعبث بجسد الفراغ بهزيمتي

الكبرى

فأنا مازلت سيد الهزائم في قسمة الأقدار بهذا

المكان المر التعيس اللعين

فلا تراقب بسفرك الطويل كل ذكرياتي و تمضي

متناسياً كل أيامي

قلت لنفسي مالي أسترجع بحياة الآخرين

بوجع ذاكرتي

سأبتعد قليلاً عن كلام القط الحائر البعيد نحو

البعيد الآخر

حتى لا أندم على ثرثرة من يراقبون هناك

موتي الأخير

و أنا أنا كعادتي يا أبي مازلت منحسراً بين الوعي

و اللاوعي بين الحقيقةِ و اللاحقيقةُ

مازالت أراقب منفاي بصورة التشرد و أمضي

في سبيلي غريباً و بعيداً عن كل

حياتي

مازلت أمشي من هناك لوحدي في زمني القديم

و لا أحتكر بممشاي الطويل سوى

خيبتي بالخذلان

لا أشياء أخرى معي إلا أصوات الأشباح

و صراخها

و هي تلعنني بألف حقيبة السفر و تثقلني

بهامتي

فراغٌ و فراغٌ و ثم فراغ

و أفقٌ بعيد مع الجسد يتلاشى من طريقي

و مرٌ بكامل الأيام بالجسد

مازال يركض و يهرب من أمامي كلما زدت إبتعاداً

مسرعاً إلى أجلي

هنا يا أبي كل شيء يتلاشى معي مع المسافات

كالضباب نحو البعيد البعيد

و من خلفي تتبعني عن كثب أثر الهياكل

التي

تلاحق قبور الأموات لتغفو فوق صدري

بشغف الوداع

فأين الذين تحجروا بزمن الوداع و لم يعودوا

ليخبروا عن موتنا و عن تعلقنا بهم على

دروب الملح

فوحدي يا أبتي أتحاشى صدمة التحايل على

الذات بسلة الجروح المنتفضة بثورة

الإنقلابات

و وحدي أشق صدر الريح غاضباً مسافراً بكل

القراببن بضجري و من الحرمان

الكبير

و وحدي أتضرع في البكاء طويلاً كلما تذكرت

موعد سفري لعالم النسيان دونك

يا أبي

فأخبرني عن زمنك هناك يا أبتي هل هو مرٌ

مثل زمننا المر و مثل حياتي في

الإكتآب

أم هناك أنتَ تتحايل مع اللاوقت على النسيان

بموتك و تحتكر لنفسك لوحدك

كل الغياب

فأنا الجريح الأبدي يا أبي و أنا مكسورٌ منذ أن

تركتني في الأزلية ولدٌ معاقٌ

بالإنكسارات

أنا يوسفٌ يا أبي و أولادي لا يحبونني و لا يريدون

أن يروا صحتي معافياً

فهم يريدونني أن أصنع لهم بكل ليلة حلمٌ

آخر غير الذي كان

و أنا أنا أتنازل لهم دوماً عن كل حياة حتى

لا يبكوا متألمين بغير وجع موتي

فماذا أفعل بوجع حياتي يا أبتي يا أيها الغائب

الحاضر يا قبلة الروح الأخيرة

فالليل هنا طويل الوقت يا أبتي بتلك الجروح

التي تعبث بالقلب و بالكبد

فهو شاحب الشكل و قاسي المزاج و الفجر

هنا مستحيلٌ بموعدنا ليأتي مبشراً بيوم

جديد

فالليل هنا هو الغريب البعيد و هو بلا ألوان

بتلك الخطوات الثقيلة

حينما يأتي خاسراً بموعده عندما تموت كل

الأحلام

فكلما أكثرت بالخطوات و استعجلت بسيري

قدماً نحو البعيد هجرتني الخطوات لتموت

هناك بدوني

قل لي يا أبي لماذا أكثرت العناوين بالتراجع للبعيد

ورائاً و قتلتني الحنين

فأنظر إلى يميني لا أرك يا أبي و أنظر إلى الشمال

لا أرى أبي هناك ثم أجهش طويلاً ببكائي

فتخضر عشب القبور

فأستنجد برفقة العمر الذين كانوا معي قبل موتي

لأنهض بما بقي لي

فلا أحد هناك يعرف أسمي القديم يا أبي لا أحد

يعرف الطريق لقبري المهجور

و كلما نظرت للشمال بكيت على أبي و كلما نظرت

للشمال بكيت على أبي

أبي يا أبي كيف تحملت وجع وداعي هناك و

فراقي الأبدي في النسيان

فمن يدلني لأحيا مجدداً طفلاً يلعب بين يديك

لا أحد

من يحمل نعشي المنسي من زمن الهلاك إلى

زمن الحكايات البريئة لا أحد

فوجدت يا أبتي الوجع وحده يرشدني للفراغ

و للسنوات الثلاث التي كسرتني مع

الريح

فإلى أين تمضين بي يا أيتها الأقدار إلى أي

مدى بتِ تكسرين بذاتي المفقود

فأبي قد مات هناك قبل وصولي بموعده بخمسة

دقائق فصار الآن من الموتى

و رفقة العمر قد بدلوا كل عناوينهم السابقة و

نسيوا كل أيامي و رحلوا عني

متكالبين

فلا تشنقين روحي أكثر بالعذاب يا أيتها الأقدار

و تكثرين بأوجاعي

فلا يميني يسعفني من الهلاك لأبدأ من جديد

و لا الشمال يدنيني للخلاص لكي أنجو

من الجحيم

فالوداع قد أجهد بكل أيامي و أجهدت بروحي

فتباً لكل الأيام التي نكست بيمني

و بشمالي

فإلى أي جهةً أمضي بحصاني الطيني يا أبي

و كل دروب ترفضني كالحياة

ربما سألجأ إلى جهة كل الإحتمالات و قد أهزي

خرفاً من خرافة الزمان إن استطعت أن

أهزي بالكلام

فتطول بقسوة الزمان المسائلة من أنا و منذ

متى و العدم يأسرني ألماً ألماً

قل لي يا أبتي من الذي أوعظني بالهلاك المر

و سرق مني الوقت كله

فتركني عند حدود المتاهات أتقلب بنزاعات

الموت الأخير

من جعلني لوحدي أتقاسم بوحدتي بهزيمتي

مع الليل الطويل بسواده كله

من ترك يدي بمنتصف الطريق لأتوه على طريق

السفر غريباً بين الكلمات و العناوين و بين

الكلام المباح

فإني أسمع جرحي يلعنني و يستغيث بطول

الليل ببكائي لكي يرتاح قليلاً من وجعي

من البعيد البعيد أسمع صوت نباح الكلاب يا

أبتي تعوي للخراب

فأسأل نفسي هل مازالوا هناك أحياء غير هذا

الوجع الذي يعتليني

لم يعودوا بعد يا أبي من أحلامهم مع السواد

فهل أنا لوحدي كنت بعيدهم

فغابوا عني عندما هربوا من حياتي و لذوا

نحو البعيد بالفرار

أم هم وحدهم من كانوا البعيدين الغائبين عن

روحي و أنا نسيت أن أعترف

لنفسي

فكيف يمكن أن أكون أنا أنا و أنا لا يشبهني

الآن بشيء

فأين الجميع و أين صورة الرحمن بطلة الصباح

علينا الذي كان

فراغ بفراغ يا أبتي فلم يعد معي شيء عندما

كان كل شيء معي

أمضي و أمضي من هناك إلى هناك و ثم لا

أمضي كما مضيت بوحدة الروح بطريق

هروبي

قد تاهت مني كل الحياة يا أبي و انكسرت

بسقوطي كل الإمنيات

و شاخت بروحها كل أزمنتي و هي باكية

متحجرة متفجرة كالبراكين الثائرة

و المطر البعيد هو البعيد و البعيد مازال هناك

في البعيد حجراً لا يغير بشكله و لا

بشكل الزمان

فلما لا يسقط معي في حضن الفراشة لنحيا

معاً أو نموت معاً بلا أسماء

فسوف أقلد كل الأنبياء لأرشد الحالمين

على درب السلام

و سوف أعبر كل الحكاية بطريق الكلام

لأعرف الكلام

لأرتب لهذا العمر سريراً بحفنة التراب

للمنام

فيا أيها العرش البعيد من فوق قبورنا المليئة

بالقرابين مالك تئن وجعاً بنا يا آلة الزمن

الأليم بمر الزمان

فلا تقسُ علينا أكثر من الحرمان و العذاب

برحلة العذاب

فماذا فعلنا لكَ حتى تعاقبنا بالأبدية الظالمة

الحاقدة حتى القيامة

ماذا فعلنا لكَ يا عرشنا الممدود حتى زمن

موتنا

كي تكسرنا بطول السنين طعناً و ذبحاً بالحجر و

تحرقنا بألف حكايةٍ و حكاية

فقل يا أبي للآلهة البعيدة مالها تعيد بموتنا ألماً

هل لأننا لم نمت هناك أكثر من الموت المراد خلف

الذكرى يوما ارتطمنا بالخيبة

أم فقط لأنها تحقد علينا بالسنين مراً و تكسرنا

حجراً حجراً بذاك الهلاك

لتحجبنا الضباب فننكسر متألمين و خاسرين

و خاسئين في الأبدية

هل تغيرنا على أنفسنا نحن يا أبي دون أن ندري

و دون أن نشعر بذلك بأننا قد تغيرنا

أم أن الأيام هي من انقلبت على أحوالنا و زادت

بالطعن و بالسكاكين راحت تخلدنا

بالموت

فيا أيها العمر المكسور سحقاً لك قد أوجعتنا

بألف هزيمة فتريث بحملك الثقيل فمالك

تشنقنا حجراً

قف هناك في البعيد لترى من مات معك هناك

و من بقي حي ليشهد على جنازتك

بجنازتي

فأنا مازلت أخجل من قدوم المساء بعد موتي

و مازلت لم أتعلم بعد فن التعامل مع القصص و

الحكايات بزمن النكسات

فأنا من هناك يا أبي من أرض الشقاء من عناء

الموتى من سوء البقاء من سردية التكالب

الوحشي

أنا من نكسة العمر البائس الحزين من غضب

الموت

أنا من إعصار مواسم التخاذل من صرخة المقتول

بثواني قبل قدوم الموت بوجه القاتل

المحترف

فأنا الغياب كله و أنا العذاب في أشد الصعاب

بذروتها

و أنا جرح الزمان الذي تاب بالقهر مع الزمان

فصار من ذكرى المكان

أنا الغريب المنكسر بألف طعنة كسرة و أنا المهزومُ

من ألف خيانة بقسوة الكلام

فخذني معكَ يا أبي من هناك إلى هناك

و خبئني تحت جناحيك بظلمة القبر حتى

القيامة

فقد أجد نفسي هناك بواحة الموت معك

فأرتاح من رجس الزمان و من لعنة

المكان

فخذني يا أبي إلى هناك فأنا من هناك من زمن

الحكايات و النسيان من جسد القصيدة

المتشرزمة

فهل نسيتني يا أبتي لتمضي لوحدك هناك دوني

لعالم الغياب ياليتك عدت لزمن وجعي

لأختصرت سنين العذاب

فأنا مازالت أتذكر كل تفاصيل ملامحك قبل

الموت المبكر

لكني نسيت ملامحي فلم أعد أعرف من أناياي

المكسور

فخذني من هناك إلى هناك فأنا لست هنا و لست

هناك

فأنا من هنا و لست هنا و أنا من هناك و لست هناك

لأكون هناك صاحب الظل الطويل

و قد أعود ثانيةً لجسدي بذات يوم من هناك

و قد لا أعود إلى هنا لأحيا فلا أحيا

ربما و ربما يلزمني ساعة أخرى في التأمل بآخر

الزمان بصورة المكان المكسورة

فقافيتي متشرزمة الأوصال بحزنها و كل التعابير

باتت غير مجدية و لا تفضي لحل

فلن أخبر أحداً عن قدوم الموت إن جاء ليختم

حكايتي المؤجلة يا أبي

و لن أفشي بسر قصيدتي لأحد يا أبي لأبقى مقيد

اليدين بتلك المهزلة

سأروي بنص القصيدة بكل أوجاعي المستعجلة

سأعوي و أعوي سحاباً مع الريح يا أبتي في

ذاك الليل الطويل بكل حروفي

المعدلة

و قد أنام بحافة القصيدة مع الحجر و أتكأ على

جدران القصيدة سراباً يحد بالكلام

ربما سأحلم بالكلمات بفجرٍ مغاير تماماً عن

ظلامي الأبدي

أو ربما سأحلم بالطيور المحلقة بثوب السماء

التي تسافر لحلمها البعيد الهادئ

و ربما سأغسل كل الكلمات بالهواء فعلني أنسى

قليلاً تعبي بزمن العناء و ما اقتبسته من الكلام

لأنساك يا أبي لا لا لن أستطيع أن

أنساك

فقد أكمل رغم الوجع برحلتي الشؤومة لآخر

النفق علي أنسى ما يكسرني بغيابك

كي لا أعود من هناك إلى هناك منكسراً من الهزيمة

فأبكي حجراً و إشتياقاً على ما كان

و أندم

فخذني على دربك الطويل حافياً دون لومٍ من

الليل و النهار إن استطعت أن تحملني

مع جنازة القصيدة

فلم يعد هناك شيء حي بداخلي يا أبي

لأقول للرب شكراً لأنك أحييتني يا أيها

الإله المعظم

فلقد أحرقتُ كل الكلمات بقصيدتي و لم تنتظرني

صور الذكريات رغم طول الكتابة

فكل الأشياء التي كانت معي قد ضاعت مع

الريح و تكلبت كل العناوين

و الريح بلعنته القديمة عاد من الوجع لوحده

ينثر من جسدي بجرحه القديم

و أنا نسيت وحدي هناك و كل ما كان لي من

قصص و سنواتٍ ماضية مع الذكريات

عدت و عدت و ثم عدت بخيبة الروح البريئة

لذات الجرح لذات المكان

أنتفض بجسد القصيدة بكل الخسارات

يا أبي

فخذني كيفما تشاء لموتك المشتهى هناك

و من زمني و بأي طريقة تريد

يا أبتي

فالموت بقربك يا أبي هو أجمل و أرحمُ

من الحياة

بدونك …….. في البعيد

 

ابن حنيفة العفريني

مصطفى محمد كبار ٢٠٢٥/٤/٦

حلب سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار