الثقافة والفن

نص.. قلبي من حطب.. بقلم الشاعر.. مصطفى محمد كبار/ سوريا

نص.. قلبي من حطب.. بقلم الشاعر.. مصطفى محمد كبار/ سوريا

 

فأنا لست كما الآخرين

أحمل صفة الأحياء

فأعشق الحياة و أركض زحفاً إليها لأقبل

قدميها فأعبدها إلى الأبد

و ليس قلبي من الذهب لألمع فوق جبل الظلام

كالبرق بلا صوت كلما عني ابتعد

فلا أحد يشجعني لأحيا لا شيء ينبض بهذا

الكون سوى الرحيل و هذا الرمل و جنازتي

في البعيد عن البلد

أنا لست كما الأخرين أستيقظ في الصباح

لأشرب قهوتي الصباحية أمام

الطيور

بل أنا فقط تائهٌ غريب و بلا حياة فأجسُ

نبض الوجع بألف خذلانٍ بألف غدر

و قلبي من حطبٍ و نار فلا يئن لأحد و لا

يحن إلى أحد

و أنا أنا صاحب الكأس المر حين يخمرُ صاحبه

فيكسرهُ في النسيان في الغمد

إني زمن النسيان للنسيان حين هده الزمان

و لا يتذكرني أحد

من كانوا البعيدين القريبين صاروا الآن

بزمن النكد

فأنا الآن بلا حدود و بلا عناوين فلا شيء

يلملم شتاتي و اعتزالي

فأنا أشبه الآن بمكتبةٍ مليئةٍ بالكتب القديمة

و بالروايات الحزينة مات كاتبها من القهر

بالظلم العظيم

أو ربما أنا أشبه معجم الفلاسفة و المفكرين

إذ أتقنوا بلغة الكلام و قالوا لا كلام

بعد الآن

فماذا سيكون أو سيحدث إن مروا الغرباء من

فوق جسدي و حطموا بجداري

لا شيء سوى هدمٌ في الروح و كسرٌ بجدار

الحياة مع العمر الطويل بالعذاب

فلا تظنوا بأني هناك معهم أشرب الماء مع

الأحياء فأسلمُ من لعنة من نهبوا

روحي

فأعدني يا أيها الزمن التعيس إلى هناك

حيث ذكرياتي

أعدني إلى مستوى ما كان لي هناك من أثرٍ

تحكى للعابرين البعيدين

و ترجل من عرش قلبي المحطم بالويلات

لتكون عادلاً و منصفاً بحالي

فأنا قد إكتفيت من وجعك يا أيها الزمن المريض

بالهلاك منذ بدايتي الميؤوسة و حتى

نهايتي الكئيبة

و إني قد أدركت مؤخراً بأني لا أكتب قصائدي

للبشر المتحجرين فأندم

فإن قوم البشر هم الذين قد نكلوا بجسد

قصيدتي و ناموا واقفين

فالبشر العابرين ليس لديهم من الوقت ما يكفي

لكي يقرؤوا من كتاباتي المدوية

فالأموات لا يقرؤون كلام من دونوا أسماءهم

على جدار الذكريات

فكن لوحدك هناك يا أناياي و كن مع وحدي

هنا حيث لا أنا غيري في أوجاعي

بوحدتي

بكسرتي

بندمي

بصرختي

بعلتي

بلوعتي

بضجري

بليلي الطويل بألمي الكبير و إنكساري الأخير

مع الألم المعظم بالهلاك

فلا تنتظر عند منحدرات النسيان أحداً يعود

من السراب

فهل مازلتَ تراقب بسفرك البعيد مع الكلمات

طائراً قد مات بحلمه هناك

لا لا فلا تمت بخيبة الأمل و تنتظر دخان

احترافي و أنت تلوم بحظك

العاثر و تبكي

قل لكل من نكلوا بجسدك و بحلمك البسيط

لقد خانتني المواعيد و هزمتني صدق

اللقاءات

و ابتعد بجرحك البالغ الرشيد عن دنياك لألف

مسافة و عن روحك المتعبة

من النكبات

ابتعد فماذا تنتظر من الصباحات المقتولة و

مر الحكايات

ارحل عن المكان و عن الزمان و امضي غريباً

كما بدأت و انفجر مع الريح ضباباً

كي تنسى من اغتالوك جرحاً على كل

الدروب

فهناك قد مات من كان هناك و لم يعد للأموات

إليك طريقاً للعودة فإبتعد إلى موتك

المشتهى كما تريد

قلت كفى يا أناياي المعتوه بزمن الضجر تبعدني

عن ذاتي و تكثر بالأوجاع صراخاً فلا تكسرني

أكثر من وجعي

فإني قد ذقت ما يكفي من الموت ألف مماتٍ هناك

يكفي لأموتَ حجراً

و إني سأبتعد لما بعد الموت و أرحل من كل

العناوين

و سأبتعد عن كل التفاصيل كي لا تعاقبني

صور الذكريات

سأكتفي بركنٍ صغير بغرفتي الممزوجة بصور

الراحلين و أغلق بابي الغابر

سأعزل نفسي عن ضجيج العابرين و كل من

مرَ ذابحاً بقلبي بالغياب

سأضع شرشفاً من عتمتي على مرآة الجدار

لكي لا أُبصرُ بها نفسي فأبكي

و لا لتذكرني بالصور القديمة فأنكسر أمامها

مع اللاوقت

سأكتب عما يشغلني عن اليأسِ بتلك الحنين

بأقسى العبارات و ما يؤلمني من

وجعٍ كبير

سوف و لَسوف أغير من طريقتي في الكتابة

بطريقة أخرى أكثر وجعٍ

فقط عندما أتحرر من كل التقاليد و أدرك أكثر

بشكل المصيبة و مرها

سأمضي قدماً من هناك إلى هناك بجسد

القصيدة كلها

فربما أستريح مع الكلمات في البعيد بدهشة

التوحد

علي أجد ما يؤرقني هناك من بين الكلمات

و أرتاح

فأتخيل بأني مازلت حياً قبل هذا الموت

رغم موتي الطويل

أو سأحاول أن أدخل في التجربة إلى زمنٍ لا

وقت فيه و إلى عالم الخيال البعيد

لأبقى بذاتي في العدم أتحايل مع اللاوقت بسر

الكلمات سالماً و معافاً من الخيبة كي

لا يقسُ الضجر

ربما سأفتش عن مفرداتٍ مغايرة تماماً عن

حاضري

و معاني لا تشبه جسد الوحي و انكساري

في القصيدة

فأدركت طويلاً و أدركت متأخراً بأن الليل مازال

طويل حتى أنتهي من البكاء

و لدي الوقت الكافي لأنجز بحزني ببناء القصيدة

قصيدةٍ يتسع بها كل الصدى

سأحاول أن أبدل بشكل الحرف ما أستطعت

بما يداهمني من خيال

لكن إن وجدت ما يكسرني هناك من الكلمات

سأعيد بترتيب الجنازات بأخر

الرحيل

سوف أكتفي بأبسط الكلام و أغير كل التعابير

الساقطة و كل الرموز في جسدي

ففي الروح وجعٌ لا يستعين بالشفاء و لا يعين

لأحيا و في الحلم كل السلام

فقد لا أبصر عما كان يدور في فلك الأمس من

أحاديثٍ مضت خاسرة بالسنوات

و قد أشقُ بنفسي بذات الرواية كلما تذكرت

بالحنين حتى غدي المكسور

و عند بلوغ الفجر بعتبة الصباح سأدفن كل

أمواتي من أهل المساء

سأكمل طريق المساء إلى مساء و أعتذر من

الوقت و كل الصور البعيدة

و سأعيد بترتيبَ ما نسيتهُ هناك قبل المنام

بقليل قبل قدوم الغسق

و سوف أتحدث مع القصيدة بلغتي قبل لغة

الأخرين

لأفهم معنى الكلام و أنضج مطراً في مواسم

الخير فهي الأفصح معناً و الأقدر

بالأشياء

فلا ينقصني فطرة الإبداع لأكون واحداً كما

الشعراء المخضرمين فأكتب شعراً ينبت به

عشبٌ في الحجر

فأنا سيد الخيال البعيد و موطنه و لدي شعور

الإنتماء بحرية الإختيار من الكلام فلا كلام

بعد كلامي

لكني أعجز عن ملامسة الأشياء التي أصبحت

بعيدة عني

فلا طائرٌ معي الآن في حلمي يعلو و يطير

و لا حبة سنبلة ينبت خضراء

بقافيتي

فكل البلاد هي بعيدةٌ عن قدماي و عن خطاي

و الخطوة تكسرني دوماً

فأنا لست كما الآخرين حر أنهض من الموت

بأعجوبة الخلاص

و لا أنا من الملائكة التي تحلم بالأرواح فأطير

من هنا إلى هناك

و لا أملك غيماً و جناحين لأحمل ما تبقى من

بقايا نعشي و أعود

فجرحي لا يسد طريق الألم فهو يذكرني

بالحنين و الحنينُ لا يعبر

بقلبي للسلام

فمن يقول في مديح الحياة شعراً فهو الحر

في سماء الحدس

و من يكتب بجرحه قصيدةٍ طويلة الكلام

و يجهش في البكاء حزناً

هو وحده يملك الحقيقة فهو سيد الكلام

و السلام فهو من عانق الريح

ثم غاب

فهو الحاضر الغائب الذي من حضن الذكريات

كلها و صار بأوجاعه لديار الراحلين

فقل لنفسكَ يا أنا قبل موتك بساعة واحدة

لا تمتحني أكثر من الموت

فمن أوصل بجنازة المقتول و هي سالمة للمقبرة

فهو وحده الذي يحملني للنجاة

قد كنت هناك أوعى من الطائر الحر في

سماء البدايات

و كنت أقسى من الأيام على العمر هناك

فمن يعرفني بهزيمتي سيمدحني

بالقصيدة

لقد خانتني كل الدروب البعيدة و أذلتني

كل الأبواب

لقد أخذوا مني كل الزمان و كل المكان و لحمي

المطعون مع جلدي المجعد

تركوا العظام تنخرها الفراغ و راحوا ينبشون

بقبري المنسي حتى الهلاك

فلو كنت في صباح الأمس موجوداً بالمكان

لما عدت بخيبة اللقاء محبطاً

من هناك

لقد رحلوا عني كالغرباء برعشة الروح المقدس

حينما أرادوا أن يرحلوا

فصاروا لأخر النفق على طريقة الموت المبكر

لزمني البسيط و قتلوا كل النصيب و كل الأيام

بآخر حكاياتي الحزينة

لم يقولوا لي خذ حياتك كلها قبل الرحيل من

دروبنا و لم يعتذروا من الليل

فصار الليل وحيداً و القصيدة صارت تلعن

كلامها بذاتها

و أنا صرت كالغريب أجمع بين وحدة الليل

و لعنة القصيدة كي لا تعاقبني

النسيان

فأنا أسير بدرب القصيدة بأوجاعي و القصيدة

صارت تسير في الخبر الذي كان

و قلبي جمرة الأحزان صار من حطبٍ و حجر

من بعد الرحيل

لكنه صار الآن لحمٌ من رماد مع الكلمات

بكل قصيدة

و لم يعد يخفق بنبض البقاء ليعيش معافاً كما

الأخرين يعيشون

فقلبي من حطب …

قلبي من رماد …….. الذكريات

 

ابن حنيفة العفريني

مصطفى محمد كبار/ سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار