قصة قصيرة(المضحيه) د. وليد زيدان اللهيبي/ جمهورية العراق

قصة قصيرة(المضحيه) د. وليد زيدان اللهيبي/ جمهورية العراق
المُضحية
فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها وأصدقاء إخوتها أن يتقدوا لخطبتها.
رفضت ذلك رفضاً قاطعاً، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد.
في حين أنها لم تكمل دراستها الإعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والإخوة من تهيئة الطعام وغسل الأواني والملابس وغير ذلك من أمور العمل المنزلي.
كانت لا تغادر دارها أبداً إلا للضرورات ولا تجامل سيدات الحي إلا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة أو حزينة. أي لا تسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج وإصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها إلى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها. إذا لماذا ترفض الزواج، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً. ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه وأجلسهم حوله.
– قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم.
– أجاب الأبناء: كلا يا والدي.
– قال الأب: إن أمر أختكم قد حيرني ولم أجد له تفسيرا أعني رفضها للزواج.
– قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء.
طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج. نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون.
– قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الأسباب يا ابنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ.
أطرقت الفتاة برأسها إلى الأسفل خجلة وأجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن أتزوج شخص معين لأني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب، استفز قولها هذا أحد إخوتها وقد حاول أن يمد يده إليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك.
– قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا.
– قالت الفتاة: إنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها. . . يا أبي أليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم.
رفع الأب يده إلى الأعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الإنساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا ابنتي.
خجل إخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم إدراكهم للامور.
– قال الأب: يا ابنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت، وسأعقد لكِ على من اخترتي أنك غاية في الشرف والغيرة لِأَنَّك شعرتِ بابن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك.
تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملى الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال.
– قالت الابنة: سميه أنت يا والدي.
– قال الأب: حسين على اسم أخي والد علي وَفَاءَا لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي.
فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها وإخوتها الوفاء… الوفاء لا شيء غير الوفاء.
