السياسية

بين قانون الانتخابات وعزوف الجمهور .. هل تُمنَح الشرعية للفاسدين؟

الدكتور مهدي علي دويغر الكعبي

بين قانون الانتخابات وعزوف الجمهور .. هل تُمنَح الشرعية للفاسدين؟

 

تحليل سياسي – خاص

 

بقلم .. الأستاذ المساعد الدكتور مهدي علي دويغر الكعبي

الأكاديمي والمحلل السياسي – التدريسي في الجامعة العراقية

 

 

في ظل اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة تتصاعد المؤشرات على عزوف شعبي واسع النطاق خصوصًا بعد قرار التيار الصدري بعدم المشاركة وهو قرار يستند إلى خلفية عقائدية وشعبية لا سياسية فحسب إذ يجسّد احتجاجًا أخلاقيًا على واقع سياسي مأزوم ورفضًا لما أفرزته التجربة بعد 2003 من فساد وتهميش واستلاب للقرار الوطني.

لكن ورغم نبالة الدافع فإن هذا القرار إن لم يُصاحبه مشروع تعبوي بديل أو قراءة دقيقة لمآلاته فقد يُفسَّر سياسيًا على أنه فراغ تمثيلي تملؤه قوى الفساد وبقايا النظام البائد تحت غطاء قانون انتخابي لا يشترط تمثيلًا شعبيًا حقيقيًا.

قانون انتخاب لا يعرف معنى “الشرعية الشعبية .

ينصّ قانون الانتخابات العراقي رقم (9) لسنة 2020 (المعدّل) على آليات توزيع الدوائر والترشيح الفردي لكنه لا يشترط حدًا أدنى لنسبة المشاركة من الناخبين. وبذلك فإن شرعية البرلمان لا تُقاس بنسبة الإقبال بل تُمنَح تلقائيًا بمجرد تحقق الشكل الإجرائي.

 

وهنا مكمن الخلل …

كيف تُمنح الشرعية لمجلس لا يمثل سوى 20 أو 30% من الشعب؟

وهل تبقى صناديق الاقتراع أداة تمثيل حقيقي أم تتحول إلى أداة تزكية شكلية للنخب المتحكمة؟

 

انسحاب التيار الصدري ..إرادة شعب لا مجرد قرار سياسي .

التيار الصدري بقاعدته الجماهيرية الواسعة والمنضبطة لا يُقاطع الانتخابات كنوع من العزوف بل كموقف وجودي واعٍ. فالقائد السيد مقتدى الصدر أعزّه الله حين أعلن الانسحاب فإنه لم يخرج من الساحة بل أعاد تعريفها على أسس مبدئية تتصل بالشعب ومعاناته وحقه في نظام عادل مستقل.

وما يلفت الانتباه هو أن هذا القرار لم يكن قرار نخب بل تحوّل إلى موجة شعبية واسعة شملت الصدريين وغيرهم ما يعني أن المقاطعة أصبحت تعبيرًا عن فقدان الثقة العامة، لا مجرد موقف تيار معين.

 

حينما ينسحب الجمهور… من يملأ الفراغ؟

في حال استمرار المقاطعة الواسعة فإن التقديرات تُشير إلى مشاركة انتخابية قد لا تتجاوز 30 إلى 50 %، وهي نسبة رغم ضخامتها لا تكفي لإنتاج شرعية شعبية بل تتيح للجهات التقليدية أن تملأ المشهد مستفيدة من ضعف المنافسة.

وما هو أخطر أن جمهور التيار الصدري الذي اعتاد أن يكون بيضة القبان في المعادلة السياسية قد يتشظى انتخابيًا إلى مجاميع غير منسجمة تتأثر بعوامل عشائرية أو طائفية أو شخصية، ما يُنتج برلمانًا غير ممثل لوزن التيار الحقيقي.

 

والنتيجة المحتملة.

– خسارة الصوت الشعبي الإصلاحي في قبة البرلمان.

– تمدد لقوى سياسية تقليدية بعضها يحاول إعادة تدوير البعث بواجهات جديدة.

– احتمالية انتقال رئاسة الوزراء خارج المكون الشيعي بفعل فراغ الكتلة الأكبر.

– إنتاج حكومة لا تُمثل جمهورها بل تمثل من شارك فقط، ولو كانت نسبته ضئيلة.

 

الشرعية الشكلية ليست شرعية سياسية

 

في انتخابات 2021 . بلغت نسبة المشاركة الرسمية نحو 41% . لكنها فعليًا كانت أقرب إلى 34% من الناخبين المسجلين فعليًا بالبطاقات البايومترية ومع ذلك تشكّل البرلمان واعتُبرت الانتخابات “نزيهة”.

فهل يكفي ذلك؟

الجواب لا، لأن الشرعية الحقيقية تُبنى على الوعي والمشاركة، لا على الورق والإجراءات.

 

دعوة صادقة باسم الجمهور إلى السيد القائد

 

نحن كجمهور ومواطنين ومحبي هذا الوطن وكمحبين ومؤمنين بنهج آل الصدر نتوجه بدعوة صادقة إلى سماحة السيد القائد مقتدى الصدر أعزّه الله أن يُعيد النظر في قرار عدم المشاركة ويفتح باب المشاورة مع قيادات المكتب السياسي والمستشارين القانونيين وأن يستطلع رأي الشعب المخلص في هذا المنعطف الحرج.

 

إننا ندرك أن أي قرار يتخذه السيد هو قانون لنا ونؤمن أن نظرته تتجاوز اللحظة الآنية إلى البُعد الرسالي والتاريخي لكننا نرى أن الفراغ الذي سيتركه التيار الصدري قد يُملأ بما لا يُحمد عقباه وقد يُستغل لإعادة تدوير الفساد والتبعية والبعث المقبور.

 

لذا فإننا نرى أن المشاركة ولو على شكل “مذّاب جماهيري” أو خيار تعبوي جزئي قد تكون حائط الصد الأخير أمام سقوط التمثيل الشعبي في أيدي من لا يملك مشروعًا وطنيًا.ش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار