خواطر فايسبوكية صباحية بقلم المعز غني

خواطر فايسبوكية صباحية بقلم المعز غني
العولمة والجدلية: صراع الهوية وذوبان الحدود
بقلم المعز غني
في زحمة هذا العالم المتسارع ، حيث تتكسر الحواجز وتذوب الفواصل ، يلوح في الأفق مفهوم العولمة كرياحٍ عاتية لا تعترف بالجغرافيا ولا تقف عند حدود اللغة أو الثقافة.
إنها ليست مجرد تكنولوجيا ، ولا فقط إقتصادًا مشتركًا أو ثقافة كونية عابرة ، بل هي حالة وجودية تضع الفرد والمجتمع أمام مرآة الذات والآخر في آنٍ واحد.
وهنا، تتولد الجدلية بوصفها الأداة التي تمنحنا القدرة على فهم هذا الواقع المتشابك ، لا عن طريق الرفض أو التسليم ، بل عبر المساءلة والتوازن والإنخراط النقدي.
إن الجدلية ليست صراعًا عبثيًا بين الأضداد ، بل حركة فكرية تنمو بين التناقضات ؛ بين الإنفتاح و الإنغلاق ، الأصالة والمعاصرة، المحلي والعالمي.
في ظل العولمة ، تصبح الثقافة المحلية عرضة للتأثير ، بل ربما للاجتياح إذ يتسرب النموذج الغربي – بثقافته الاستهلاكية ونمطه الإعلامي – إلى تفاصيل الحياة اليومية ، بدءًا من اللغة ، مرورًا باللباس ، وإنتهاء ً بشكل الوعي ذاته.
لكن ، هل يعني ذلك الإستسلام؟ هنا تتبدى الجدلية كحالة من التفاعل لا الانصهار ، من الصمود لا الجمود فالعولمة ليست قدرًا حتميًا ، بل ظاهرة قابلة للتموضع داخل الوعي النقدي وهكذا تصبح الهوية ليست رديفًا للانعزال ، بل مشروعًا يتشكل ويتجدد لا بالانغلاق ، بل بالمقاومة الواعية والتفاعل الذكي مع ما هو وافد.
وفي هذه الجدلية ، تتعالى الأسئلة : هل يمكن أن نحمل هويتنا ونحن نعبر جسور العولمة؟ هل بمقدورنا أن ننتج معرفةً كونية دون أن نتخلى عن جذورنا؟ لعل الجواب يكمن في تلك القدرة على الترجمة الرمزية بين الذات والآخر ، وعلى تحويل العولمة من عملية محو إلى فرصة خلق.
إن الجدلية والعولمة ليستا نقيضين ، بل قوى متقابلة تشكل نسيج الواقع الحديث.
فالجدلية تعلّمنا أن لا نرفض العولمة رفضًا مطلقًا ولا أن نتبناها تبنيًا أعمى ، بل أن نخوض فيها بخطى متأنية ، بعين يقظة وبقلبٍ يتشبث بجذوره وهو يلامس السماء.
هكذا، لا تصبح العولمة نهاية التاريخ ، بل بداية جدلٍ إنسانيٍّ جديد يعيد رسم حدود المعرفة والهوية ، ويطرح على الإنسان المعاصر السؤال القديم الجديد : من نحن؟ وأين نقف من العالم؟
—
