ملحمة الجزاٸر الكبرى نص ملحمي ينتمي إلى الضمير الجمعي للأمة الجزائرية .
الشاعرة الإعلامية سمية معاشي. الجزائر
☆ كل التقديمات التي كانت تقريظا لملحمة الجزائر الكبرى أعتز بها من أعلام اختلفت مشاربهم ومذاهبهم، وتعددت مدارسهم وآراؤهم، ولكن هذا التقديم له أثر وموقع في قلبي غير ما تركه الآخرون، وأراه يتجاوز ما قيل لكونه يحمل طابع القدسية من لقب صاحبته التي تمثل أسرة ثورية مجاهدة لها صداها في تاريخ الثورة الجزائرية وعلى رأسها البطل الرمز الشهيد ( علي معاشي ) والشاعرة سمية فرع من ذلك الأصل .
ملحمة الجزاٸر الكبرى نص ملحمي ينتمي
إلى الضمير الجمعي للأمة الجزائرية .
الشاعرُ الدكتورُ عبدُ العزيز شبّين، هو أحد أعلام الشعر الجزائري الراقي، ذو روحٍ واثقة وكلماتٍ تُجسّد أسمى معاني الوطنية. إن انتماءه للعروبة وللجزائر الأصيلة ينبع من قلبه كأحد أبنائها المخلصين، وأقلام أمثاله ستُخلّد في سجلات التاريخ، لأنهم يكتبون بصدق وتفانٍ.
وقد دفعني للتعبير عنه إخلاصُه الثابت لهذا الوطن الغالي، فكلما صفّت أمجاده زكى فيها النفس والنفيس، وسطّر الشعراء في نصوصهم ملحمةً تنبض بالانتماء والوفاء. ومن بين تلك الأعمال الخالدة، “ملحمة الجزائر” للدكتور شبّين، أو كما أحبّ أن يسميها، “إلياذة الجزائر”، تجسيدٌ لروح الوطنية، وانبعاث الكرامة والعزة الجزائرية.
في كل نصوصه نلمس تلاحمًا بين الثقافة والتاريخ، وكأن الكلمات تنبض بشرايين الوطن، تصرخ بفخرها وتغني لعزّة شعبها. وأنا على يقين أن هذه الإلياذة، حين ترى النور، ستحظى باهتمام واسع، فهي منبعٌ صادق لعبارات الحب والتقدير، وصفاء المشاعر تجاه بلدٍ غالٍ.
جذبني الجزء الذي ينبض بأعماق الروح الجزائرية:
شُهَدَاءُ الخلودِ فيكِ بلادي
علَّمونا كيفَ الفِداءُ يكونُ
فَمَضينا صَحْوًا هَواكِ نُغنِّي
في هذه الأبيات، يهتف الدكتور شبّين ببلاغة فائقة تنبض بالوفاء والتضحية، فهو يخلّد الشهداء، أولئك الذين زرعوا في قلب الوطن بذرة الخلود. هم الذين، بدمائهم الزكية، علّموا الشعب معنى الفداء الأسمى، حتى صرنا نحيا بثقافة اليقين والوطن، ننهض بما وهبونا من إلهام.
الشاعر لا يتناول الشهادة كحدث تذكاري فقط، بل يرسم لنا مسارًا حيويًا من التضحية مرورًا بالصحوة والانتماء، وصولاً إلى بناء مجد جديد. ويصبح الشعر ليس مجرد كلمات، بل خطابًا حيويًا لبناء الأمة.
لقد جسّد الدكتور عبد العزيز شبّين في أكثر من قصيدة عشقَ الوطن، وتغنّى بشهدائه الأبرار احتفاء بعظمة الجزائر. إنه شاعرٌ يدرك تمامًا أن الوطن لا يُشترى بأموالٍ ولا تُعطى قيمته بثمن—بل هو عقدٌ دموي وروحٌ تسكن أعماق الأمة. ومن هذا الإيمان العميق، نشأت “ملحمةُ الجزائر” الملحمية، التي أراد بها الشاعر أن تبقى شهادةً خالدة في صفحات التاريخ، تنبض بعنفوان الوطنية، وتمجّد مآثر الأوفياء.
لقد برز الدكتور عبد العزيز شبّين شاعراً مخلصاً للكلمة، صارماً في اختيارها، متمسّكاً بقامة اللغة العربية، ولا يقبل أن تُدنس في نصوصه. فهو يرفض أن تُصلَب القصيدة في مرمى غير لائق بها، فيلتزم دوماً بالوزن والقافية، باعتبارهما روحها وعمادها. يقول شبّين إن الشعر الحقيقي يُنزف من فؤاد صاحبه بالدم — فلا كل من هبّت له ريحٌ يُسمّى شاعراً.
إن للشعر عند العرب الأوائل مكانة سامية، وللّغة العربية منزلة عظيمة امتدت حتى القرآن الكريم، ومن هنا تفهم مواقف شبّين الحاسمة: كان لا بد للشاعر أن يحافظ على قَدْر القصيدة ورفعتها، دون أن يخدشها أو ينحني بها. فالشعر بلا قافية صلبة ووزن مضبوط لا روح فيه ولا معنى.
وحقًّا، فإن الموهوبين بعيدون، وأما من يظلون خلفهم فربما يجيدون النسخ واللصق، لكنهم عاجزون عن النبض الحقيقي، عاجزون عن إخراج قصيدة موزونة ترتقي بمقام الشعر.
هكذا هو شبّين: ظلّ حارساً أميناً على النص، صارماً مع كل من يجرؤ على التعدّي على الشعر ولا يقدّر عظمته، مؤمنّاً بأن القصيدة إن لم تُكرم بحفظ وزنها وقافيتها، فلا قصيدة لها ولا مقام.
يا لجمال هذا المقطع!
يقول:
عنفوان الشباب فيك ربيعا
كان أضناه بالشحوب الشتاء
عفت في مضمار الحياة اندفاعا
صوب كرسي قد عراه الشقاء
يقدّم شبّين في هذا المقطع لوحة شاعرية ممتازة للانسان الشاب: مُدجّجٌ بالحماس وبأمل الربيع، لكنه مُبشّر بمخاطر “الشتاء” واندثار ملامحه أثناء السير نحو هدفه. وعلى الرغم من ذلك، يظلّ مُستمّرًا في السباق بحماس، متوجّهًا إلى كرسي النجاح، حتى لو كان قد لامسته يد الزمن وأثّرتها صعوباته.
كما يُجسّدُ الدكتور عبد العزيز شبّين في قصيدته شبابَ الجزائر نموذجًا للعنفوان الزاهر وعصر الزهور المتوهّجة. يصوّر في لوحته الشعرية الشبابَ مثلَ الربيع، مُفعمًا بالحيوية، لكنّه أيضًا يُذكّره بأن النجاح في الحياة غالبًا ما يكون محفوفًا بالمِحن والألم. وهذا التّوازن بين الأمل والتحدّي يَمنح أعماله تلك النفَس الداعم للشباب، إذ يجعلها رسالة أمل في المثابرة.
ولأن كتابة المعاناة ليست بالأمر السهل، فقد استطاع شبّين عبر “ملحمة الجزائر” أن يُجسّد هموم بعض شباب الأمة وحياتهم الصعبة في معارك الوجود، ليرسخ في وجداننا قيم الصمود والتحدي. وقدّم قصيدته نموذجًا للجيل الصاعد، فيا لها من عبرة تجعل من النص مرجعًا لمن يتطلع إلى الثورة على الذات والاندفاع نحو المستقبل.
أنا ممن تشرفت بكتابة هذه المقدمة المتواضعة، وإن تعثرت قليلاً أو تلعثمت كلماتي، فإنني على يقين بأن من أكتب له هذه الكلمات البسيطة يستحق أكثر من ذلك بكثير.
فمن يحب وطنه، ويعشق كتابة الشعر، يستطيع أن يصوغ بأحرفه أروع الكلمات، ويُشكّل منها ملحمة تخلّد الجزائر في قلوبنا وعقولنا.
يأتي الشاعر في «ملحمة الجزائر الكبرى» كصوتٍ ينبض بالحياة، يُجسد أحاسيس الشعب وعمق تاريخه، ويتناول في شعره مشاهد الطبيعة الخلابة، وصراعات الحرية، وآمال الوحدة والانتماء.
هذه الملحمة ليست مجرد كلمات، بل لوحات فنية تجمع بين الجمال والواقع، لتكشف عن الجزائر الحقيقية بحلوها ومرّها، وتعبر عن هويتها التي لا تنطفئ.
من رحم التاريخ، وفي صُلب الوجع، تُولد الكلمات التي لا تُكتب فحسب، بل تُقاتل. بين الجرح والأمل، وبين الحرف والسيف، ينهض شاعر هذه الملحمة ليُعيد تشكيل الذاكرة، لا كوثيقةٍ باهتة، بل كصرخة حيّة.
«ملحمة الجزائر الكبرى» ليست قصيدة عادية، بل نص ملحمي ينتمي إلى الضمير الجمعي للأمة الجزائرية. تستحضر الماضي، وتُحاكم الحاضر، وتستشرف ملامح مستقبل لم يُكتب بعد.
هذا النص لا يقدّم الجزائر كأرض فقط، بل ككيان أسطوري، وكوعد معقود بين التاريخ والسماء. فهو ينطلق من مناجم مفدي زكريا، ويستلهم من روحه الثورية، لكنه لا يُقلّد، بل يُجدد ويُعيد بناء «الإلياذة» الجزائرية بمنظور معاصر، مؤلم، وواعٍ.
في هذه الملحمة، اللغة عالية مثل نشيد، موجعة مثل نشرة نعي، والصور مجازية لكنها حقيقية بقدر ما هي قاسية.
الزمن ممتد من قرطاج وتموز إلى رياح الخيبات الجديدة.
يمزج الشاعر بين البيان القرآني والفصاحة الجاهلية، بين الرمز الصوفي والنبرة الثورية، ليُخرج لنا عملًا لا يُشبه إلا ذاته.
«ملحمة الجزائر الكبرى» ليست عودة إلى مفدي زكريا فقط، بل هي بذرة ثانية في تربة الحرف الثوري الجزائري… حكاية وطن لم تُكتمل، وصوتٌ يأبى أن يُخمده الغبار.
.فبعض القصائد لا تُقرأ فقط، بل تُؤمن بها، أو تُبكى من أجلها، أو تنهض هممٌ بفضلها.
في هذا العمل الشعري الفريد، الذي يتجاوز حدود الكلمات، نجد صوتًا لا يهدأ، وصرخة لا تنطفئ، ووعدًا جديدًا يُكتب بالحرف بدل البندقية.
«ملحمة الجزائر الكبرى» ليست مجرد ديوان يُعلق على الرف، بل نار تحفظها الكلمات، وشهادة حية على أن الجزائر ما زالت تُنجب أبناءً يكتبونها كما تستحق: كبيرة، عصية، وخالدة.
فلنقف معها، نسمعها، نعيشها، ولنكن جزءًا من هذه المعركة الأدبية التي لا تنتهي.
هذه الملحمة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي روح تنبض في قلب التاريخ، ونداء يصدح في وجدان كل جزائري وكل عربي يبحث عن الحرية والكرامة.
إنها شهادة تُكتب بدم الحبر ونار الوعي، تحكي قصة شعب لم يرضَ بالهزيمة، ولا بالانكسار.
فلنترك هذه النصوص تُحدث فينا التغيير، ولنحمل معها عبء الحلم والحق، كي نبني جزائر جديدة تنبض بالحياة والكرامة.
فالقراءة الحقيقية لهذه الملحمة ليست في تتابع الحروف، بل في الإحساس بالثورة التي تُشعلها، وبالدماء التي تنبثق منها.
هي صرخة تُعلن أن الجزائر الكبرى لم تمُت، وأن الأمل مستمر، والحكاية لم تنتهِ بعد.
في هذه السطور المتواضعة، لا أضيف سوى شمعة بسيطة إلى ما كتبه من سبقوني في تقديم الدكتور، ولا أدّعي أنني أوفيت القول حقّه أو عبّرت عن كل ما يختلج في خاطري تجاه هذا الشاعر الفذ؛ فالكلام مهما كثر يظلّ قليلاً أمام ما تستحقه الإلياذة من تقدير يليق بمقامها.
وإن لم أكن ممن يجاملون، فإن قول الحقيقة واجب، والحقيقة أن هذا الشاعر يستحق الإشادة والتقدير لما قدّمه من إبداع متميّز.
الشاعرة الإعلامية سمية معاشي. الجزائر
29 / جوان / 2025 م