الفساد يتراجع.. والاقتصاد يتنفس.. قصة نجاح الصندوق النقد الدولي يوثّق نجاح العراق في إدارة التحديات..
أ م د مهدي علي دويغر الكعبي
الفساد يتراجع.. والاقتصاد يتنفس.. قصة نجاح الصندوق النقد الدولي يوثّق نجاح العراق في إدارة التحديات.. والعلاق يُعيد هندسة الثقة المالية بين التضخم المنخفض والإصلاحات الجوهرية والتحوّل إلى نظام تمويل التجارة الجديد.. كيف نجح العراق في كسب ثقة المؤسسات المالية الدولية؟”ادارة البنك المركزي تكتب سيرة اقتصادية جديدة”
بقلم الكاتب والمحلل الاكاديمي
أ م د مهدي علي دويغر الكعبي
التدريسي في الجامعة العراقية
مقدمة الكاتب … العراق في مواجهة التحديات …إصلاحات مالية واقتصادية تحت قيادة إدارية رشيدة قراءة في بيان صندوق النقد: العراق يُوازن بين الإنفاق الحكومي وضرورات الإصلاح الهيكلي”مؤشر مدركات الفساد يتعافى.. كيف أصبح العراق نموذجاً للإدارة الشفافة في المنطقة… قراءنة تحليلية من منظار مواطن …
المقدمة …
في وقت تشهد فيه المنطقة توترات جيوسياسية متصاعدة وتواجه الاقتصادات العالمية تباطؤاً في النمو يبرز العراق كقصة نجاح تستحق التوقف عندها فبعد سنوات من التحديات الأمنية والاقتصادية تمكن البلد من الحفاظ على استقراره الداخلي وحقق تقدماً ملحوظاً في تعزيز ثقة المجتمع الدولي بمؤسساته المالية وذلك بفضل سياسات نقدية ومالية مدروسة قادها بحنكة الدكتور علي العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي وفريقه الإداري المتخصص.
صندوق النقد الدولي يشيد بالإدارة المالية العراقية .
في بيانه الختامي الصادر في 15 أيار 2025 . أشاد صندوق النقد الدولي بالإنجازات التي حققها العراق رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها ومن هنا جاءت المفردات بدقة عالية بعيدًا عن اللغة الدبلوماسية الرمادية المعتادة فقد أقرّ الصندوق بأن البنك المركزي العراقي أحرز تقدماً مهماً في امتصاص فائض السيولة عبر أدوات مالية مدروسة كإصدار حوالات الخزانة وشهادات الإيداع الإسلامية وتعديل سقوف الاكتتاب للمصارف والأهم تحسين قدرته على التنبؤ بالسيولة النقدية وإدارتها هذا النجاح ليس مجرد تفصيل مالي، بل هو خطوة باتجاه عقلنة الاقتصاد وضبط انفلات المضاربات.
لكنّ الإنجاز الأهم والذي استرعى انتباه المراقبين الدوليين، هو الانتقال الكامل من نظام المزاد اليومي للدولار إلى آلية تمويل التجارة من خلال البنوك المراسلة وهو تحول تاريخي في مسار السياسة النقدية العراقية هذا النظام عزز الشفافية، وقلّص الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، ورفع مستوى الامتثال للقوانين الدولية مثل لوائح OFAC. إنها ضربة نوعية للاقتصاد الموازي والمضاربين وعودة تدريجية إلى الثقة الدولية بالقطاع المصرفي العراقي..ومن أبرز هذه الإنجازات .
1. الحفاظ على استقرار اقتصادي رغم التقلبات الإقليمية والعالمية حيث بقي معدل التضخم منخفضاً واحتفظ العراق باحتياطيات قوية بلغت 100.3 مليار دولار نهاية 2024.
2. التحول الناجح لنظام تمويل التجارة مما عزز شفافية المعاملات المالية وسهّل التعاملات الدولية.
3. تقدم ملموس في مكافحة الفساد من خلال تنفيذ الاستراتيجية الوطنية وتحسين مؤشر مدركات الفساد.
4. إصلاحات مصرفية طموحة تهدف إلى تعزيز القطاع المصرفي الخاص وزيادة الإيرادات غير النفطية.
التحديات القائمة .. بين الإنفاق الحكومي والاعتماد على النفط.
ورغم التحديات الهيكلية الكبرى التي أشار إليها تقرير صندوق النقد، من تباطؤ النمو غير النفطي إلى تدهور العجز المالي وارتفاع الإنفاق العام فإن السياسة المالية والنقدية باتت لأول مرة منذ سنوات تتحرك بخطوات منسجمة ولو على طريق محفوف بالعقبات
كما أشار التقرير إلى تحديات جوهرية تحتاج إلى معالجة عاجلة أبرزها.
– العجز المالي المتصاعد الذي قفز إلى 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024 بسبب التوسع في الإنفاق على الرواتب ودعم الطاقة.
– تراجع النمو غير النفطي مما يعكس ضعف القطاع الخاص والبنية التحتية.
– انخفاض العائدات النفطية الذي يهدد بتراجع الاحتياطيات الخارجية إذا لم تُنفَّذ إصلاحات هيكلية.
العلاق وفريق الإدارة.. آلة إصلاح لا تعرف التوقف .
يُعتبر الدكتور علي العلاق نموذجاً للقيادة المالية الرشيدة حيث قاد البنك المركزي بخطوات استباقية نحو تعزيز الشفافية والاستقرار النقدي
حيث لايمكن تجاهل أن هذا التحول لم يكن ليحدث لولا وجود عقل إداري مالي يتمتع بالرصانة والتخطيط بعيداً عن الضجيج الإعلامي وهنا يبرز اسم الدكتور علي العلاق المحافظ الحالي للبنك المركزي بوصفه “ماكنة إدارية” — بحسب تعبير اقتصاديين — يقود منظومة من المختصين بهدوء واحتراف ويمضي بثبات نحو بناء قواعد مالية حديثة للعراق.
فالعلاق، ومنذ عودته إلى قيادة البنك أعاد ترتيب أولويات السياسة النقدية واضعًا في صلب رؤيته تحويل البنك المركزي إلى ركيزة إصلاح لا مجرد جهة إصدار للنقد. وتمكّن بدعم طاقم إداري متطور، من تعزيز الشمول المالي وتوسيع نطاق الخدمات المصرفية الرقمية وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي في النصف الأول من 2025 وصولاً إلى تحفيز القطاع الخاص على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
كما أن التوجه الواضح نحو الرقمنة والتحوّل إلى بنى تحتية مالية رقمية متقدمة أصبح اليوم ركيزة أساسية في تعاملات القطاع المصرفي عبر تطبيقات الهاتف وخدمات الإنترنت البنكي وهو ما ينعكس على تعزيز الثقة المحلية والدولية بقدرة العراق على مواكبة المتغيرات.
في المقابل لا يزال العراق بحاجة إلى اتخاذ خطوات جذرية في الإصلاحات الهيكلية خاصة في ما يتعلق بـ الانجازات ..
ومن أبرز إنجازاته ..
– تعزيز ثقة الأسواق الدولية من خلال سياسات نقدية محكمة ساهمت في استقرار سعر الصرف.
– إصلاح القطاع المصرفي عبر تشجيع التحول الرقمي ومراجعة الأنظمة المالية لمواكبة المعايير العالمية.
– تعزيز مكافحة الفساد عبر تعاون وثيق مع الجهات الرقابية مما أدى إلى تحسين تصنيف العراق في المؤشرات العالمية.
الطريق إلى الأمام: إصلاحات ضرورية لاقتصاد مستدام .
يوصي صندوق النقد الدولي بخطوات إصلاحية جوهرية، أهمها:
1. ضبط الإنفاق الحكومي عبر مراجعة دعم الطاقة وإصلاح نظام الرواتب .
2. تنويع الإيرادات بفرض ضرائب إنتاجية ورفع كفاءة الجباية.
3. تمكين القطاع الخاص عبر تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات غير النفطية.
4. تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد بما يحسن مؤشرات الشفافيه والتعاون مع المؤسسات الدولية لضمان الدعم الفني والتمويلي للإصلاحات.
وقد رحب صندوق النقد بالتقدم الحاصل في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وتحسين مؤشر مدركات الفساد، وهو أمر لا يقل أهمية عن الإصلاحات الاقتصادية، بل يتقاطع معها جوهريًا، لأن الفساد هو أحد الأسباب الهيكلية لنزف المال العام وضعف كفاءة الأداء الحكومي.
إن أبرز ما يميز التجربة العراقية الحالية في السياسة النقدية هو الخروج التدريجي من عقلية “الصدفة النفطية” إلى عقلية الهندسة المالية الواعية، وهذا إنجاز بحد ذاته. فبعد سنوات من الفوضى، باتت لدى العراق مؤسسة مالية مركزية قادرة على امتصاص الصدمات، وقيادة عملية التوازن الاقتصادي بهدوء وتخطيط.
في النهاية … العراق على الطريق الصحيح .
النجاحات التي حققها العراق مؤخراً تُظهر أن الإرادة السياسية والكفاءة الإدارية قادرتان على تجاوز أعتى التحديات لكن الطريق ما زال طويلاً والفرصة سانحة اليوم لتحقيق تحول اقتصادي تاريخي بشرط أن تستمر الإصلاحات بقيادة فريق مالي متمرس وبشراكة دولية داعمة. البنك المركزي، بقيادة محافظه وفريقه المتخصص يخطو خطوات ثابتة نحو الاستقرار النقدي لكن هذه الجهود تحتاج إلى دعم حكومي وشعبي لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تضمن مستقبلاً اقتصادياً مزدهراً.
العراق بموارده وطاقته البشرية قادر على أن يكون نموذجاً للإصلاح في المنطقة وسط تحدياته السياسية والإقليمية والاقتصادية، يخطو اليوم خطوات مدروسة نحو توازن نقدي ومصرفي جديد. ولعلّ إشادة صندوق النقد الدولي الأخيرة ليست مجرد مجاملة عابرة، بل شهادة دولية على أن هناك تحولًا حقيقيًا يقوده البنك المركزي العراقي بتخطيط متماسك، ونظرة إصلاحية واقعية.
يبقى التحدي في الاستمرار، وفي استكمال الإصلاحات دون تراجع. فالثقة تُبنى على المدى الطويل، وما بدأه العلاق وفريقه يمكن أن يتحوّل إلى نهج مؤسسي حقيقي إذا ما حظي بالدعم السياسي والبرلماني اللازم. عندها فقط، يمكن القول إن العراق بدأ مسيرة الخروج من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي أكثر توازنًا وعدالة. فهل تكون السنوات القادمة شاهدةً على ولادة اقتصاد عراقي جديد أكثر تنوعاً واستقراراً؟ الإجابة كما يقول الخبراء تبدأ من اليوم.ال