منوعة

لقاء مع هوميروس الجزائر الشاعر والدكتور: عبد العزيز شبين ..حاورته: سمية معاشي 

حاورته: مدير وكالة الراصد الدولية للأنباء فرع الجزائر سمية معاشي 

♦ لقاء مع هوميروس الجزائر الشاعر والدكتور: عبد العزيز شبين

🔴🔴 المؤسسات الثقافية تنتج الإقصاء أكثر من الأدب..

 

🟠🟠 قصيدة النثر هراء… والعقاد حجتي

🟠🟠 الجوائز لا تصنع شاعراً… بل تصنع مسوخاً إبداعية

🟠🟠 الوسط الأدبي صراع نفوذ لا ساحة إبداع!

________

حاورته: سمية معاشي

________

▪️هو صاحب “الإلياذة الجزائرية”، تلك الملحمة الشعرية العظيمة التي سطّر بها مجد الوطن بكلمات تفيض صدقًا وسموًّا. في هذا الحوار الراقي، والمثير للجدل، كان لي الشرف أن أحاور قامة شعرية وفكرية نادرة، تطرّقنا فيه إلى قضايا شائكة، وأخرى تتعلق بأعماله الأدبية، بل حتى إلى من وقفوا يومًا في وجه نجاحه، ولم يمنعوه.

 

▪️كتب للجزائر إلياذة كاملة، هي أكثر من قصيدة، إنها سفر شعري وطني فخم، يستعرض فيه تاريخ الجزائر بأحاسيس الشاعر وروح الثائر.

 

▪️الدكتور عبد العزيز شبين، شاعرٌ كبير، أديبٌ، ناقدٌ، كاتب، وحارس مخلص للغة العربية. أُسميه — عن قناعة راسخة — الشاعر الذي تجتمع فيه كل خصال الأدب والثقافة، لأنه لا يكتب الكلمات فحسب، بل يحياها، يجسّدها موقفًا، ويلبسها معنى الالتزام والوفاء.

 

▪️هو الإنسان قبل كل شيء، الصلب، الصادق، الذي يُصرّ دومًا على أن تبقى القصيدة حرة، وأن تبقى اللغة طاهرة لا تُدنّس. كما يؤمن بأن الشعر ليس ترفًا لغويًا، بل حياة تُعاش، ومعاناة تُقال، وروح لا تموت.

 

▪️هو الدكتور عبد العزيز شبين، ابن الشعر واللغة، وابن الجزائر أولًا وأخيرًا، واحد من أولئك الذين حمَلوا الكلمة أمانة، ومضوا بها في دروب الإبداع، متحدّين العواصف كلها.

 

▪️يفتح قلبه في هذا الحوار، متحدّثًا بتجربته الطويلة، بما فيها من مواقف صلبة، وانكسارات صامتة، وانتصارات نابعة من الإصرار، ليؤكد أن الإبداع لا يُمنح، بل يُنتزع انتزاعًا، بإرادة لا تعرف الانكسار.

 

#هوميروس_الجزائر: د. عبد العزيز شبين

🔸مرحبا بك:

 

🔹من خلال مسيرتك الإبداعية، هل استطعت التمييز بين من كان يُصفّق لك ومن كان يتربّص بك؟ من كان يُظهر الدعم وهو في الحقيقة يحاول تحطيمك؟

 

◽ لكل مسيرة ومنهج حياة، من الناس من يسير في الظل، وبعضهم يحبِّذون الأضواء والإعلام وإثارة الأنظار، الجوهر في أي مسيرة هو ما تقدمه من خالص الأعمال في مجالها الفني، وليكن من المعلوم أن الجودة والتميز لا يقاس بهما باع صاحبهما في ميدانه أو تخصصه، ولم يكونا يوما أساسين ومدارين عليهما يدور الحسن والإبداع في أي فن من الفنون، ولم يكن عدم الظهور والانطواء والانعزال في زاوية الظل صفة من صفات الضعف والقبح والفتور أو الركود، كما أن للشهرة ظروفها وأسبابها وعواملها، كلها مرتبطة بخارج العمل الفني وصاحبه ومحيطه لا بالنص وعمقه الجمالي، العلاقات والروابط وارتباطات الشخص وبيئته ومعاملاته تتحكم في مسيرته ومداها الذي تصل إليه بعيدا كل البعد عن لبِّ التجربة الإبداعية الذي هو أساس الموضوع، ومعظم هذه السير كان لها متربصون بهم، ومثبطون للعزائم، وتراهم الوقت جله يضعون العقبات والعثرات أمام المبدع ليعرقلوه ويمنعوه من تحقيق ما يصبو إليه من أمل وطموح في مساره الفني، وصادفت الكثير من أمثالهم في مسيرتي مع الحرف التي بدأت من حدود – ما أتذكره كتابة – عام 1978م من خلال أولى محاولاتي الشعرية التي احتفظت بها يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وعاما بعد عام ..

 

🔹 هل تتذكر مواقف أو أشخاصًا حاولوا وضع العراقيل أمامك عمدًا؟ هل أثّر ذلك في قراراتك أو خطواتك لاحقًا؟

 

◽ المعرقلون كثر، والأشخاص الذين حاولوا وضع العراقيل ما يئسوا ولم ييأسوا يوما في كسر العزم، وتحطيم الآمال، وغلق الأبواب، لم يفوتوا أي فرصة سانحة لذلك، لكن حرارة العزم، وصدق النية، وثبات الموقف، وقوة القلب والضمير، وبصيرة العقل، كل هذه الصفات – الحمد لله – مكنتني من تجاوز كل العراقيل، ودحر كل المعرقلين والحاسدين الذين كانوا يشغلون مناصب عليا في مؤسسات الدولة ، مثل الجامعات ومراكز البحث واللغة والثقافة، وفي مؤسسات الإعلام ، من جرائد وصحف وقنوات، وما يزال بعضهم يمارس هذا الحقد والحسد كمؤسسات وأفراد وجماعات، وبحول الله يأتي يوم أكشف عن أسماء هؤلاء واحدا واحدا فيما هو آت من الأعمال.

 

ولم يكن ذلك ليؤثر على قراراتي وَخُطواتي على درب الكتابة والإبداع، أمارس طقوس وشعائر الفن في منأى عن صراصير وجرابيع الواقع الأدبي المليء بهذه الأشكال من الأوبئة والرداءة.

 

🔹هل شعرت يومًا أن نجاحك أصبح عبئًا على علاقاتك؟ هل خسرت أصدقاء بسبب نجاحك؟

 

◽ نجاح المرء في مثل هذا المجتمع الموبوء، وبروز الموهبة والعبقرية يزعج مرضى النفوس على جميع الأصعدة، وفي العديد من المجالات، ولدى الكثير من المؤسسات والجماعات والأفراد، من بداياتي الأولى مع مرور الوقت بدأت ألحظ الحسد والحاسدين، وأرى الحقد والحاقدين، وأعاينَ الكثير من المتربصين بي الدوائر، يعملون في الخفاء وكم يتلذذون حين يرونك ساقطا تتلوَّى من آثار كدمات السقوط، هذه الأسقام موجودة ملتصقة بهؤلاء المرضى ضعاف النفوس، لا يملكون أدوات الإبداع، ولا يقفون على أسس الفن، ويفتقدون أبسط مقومات العمل الفني.

 

🔹 بصراحة، هل مررت بلحظة فكرت فيها بالانسحاب بسبب الحسد أو الحقد أو محاولات الإقصاء؟

 

◽ما أكثر وأشدَّ الحسد والحقد والإقصاء في هذا العالم الرديء الذي عانيتُ فيه وقاسيتُ فيه الأمرَّين، وأجدد القول أن هذه المعاملات المشينة صدرت وتصدر عن مؤسسات وجماعات وأفراد من مختلف فئات المجتمع بكل طوائفه وإثنياته وثقافاته وجهاته وعقلياته، الأعمال السيئة ليس لها دين ولا جنس ولا لون ولا لغة ولا وطن، قد يحسد المبدع لموهبته وعبقريته ونظراته، ويحقدون عليه لمبادئه ومواقفه وكتاباته الإبداعية التي تتجاوز معارفهم وطموحاتهم وقدراتهم وحدودهم، والمبدع لا يمكن له أن يكون محل رضا هؤلاء جميعا.

 

وعلى رغم ما لاقيتُ من كيد الكائدين، وبغض المبغضين، وظلم الظالمين، وظلام الظلاميين، ونكران المنكرين، وإقصاء الإقصائيين، وتهميش المهمشين، ما زلت – والحمد لله – أصول وأجول في ساحتي معبِّرًا منافحا عن كل صدق وحسن وجمال وإبداع، بالطريقة التي تعلمتها بالفطرة والسليقة والإلهام، مرفوع الهامة، مملوء الثقة بالنفس، بعيدا عن التكبُّر، ممشوقا بالتواضع، مدفوعا بالعزم .

 

🔹لو خُيّرت أن تذكر اسم شخص واحد حاول تحطيمك علنًا، هل تملك الشجاعة لفعل ذلك؟

 

◽ لا ريب أني شجاع وأملك كل العزم لذكر من أراد تحطيمي ومارس كل وسائله وأدواته وعلاقاته الإدارية والقانونية، وكان هؤلاء عبر مسيرتي العلمية والإبداعية، أول هؤلاء المدعو (شريف مريبعي )الذي منعني من تسجيل أطروحة دكتوراه دولة عام 1997 م بِجامعة الجزائر معهد اللغة العربية وآدابها، وعمل المستحيل حتى كان له ما أراد، بشراء ذمم الأساتذة آنذاك، وظن أنه باستطاعته كسر عزيمتي الفولاذية، ومع ذلك يدور الزمن دورانه فأناقش أطروحتي بعده بأربع سنوات ( 2003 م )، وهذا من فضل الله على عباده.

 

والثاني المدعو (حواس مسعودي ) الذي كان شريكا ( لمريبعي) في طغيانه وحصاره لأهل العزائم المواهب والطموح من الجيل الجديد.

 

وثالثهم المدعو ( عبد الله حمادي ) الذي كلفه مجلس أمناء مؤسسة البابطين في منتصف التسعينيات بجمع سفر حول شعراء الجزائر، وقبل تكليفه هو والدكتور العربي دحو ( حفظه الله ) الذي كان مع (حمادي) معا في إعداد هذا الكتاب ، وقبل إعداده كانت سيرتي قد صدرت ضمن معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين ( المجلد الثالث ) فوجئتُ بعد طباعة السفر الذي ضم مختارات الشعر لشعراء الجزائر المحدثين والمعاصرين بأنني لم أكن ضمن أسماء الشعراء الذين شملهم هذا السفر المختار، على الرغم من أن سيرتي صدرت ضمن معجم البابطين!! هذا المدعو (حمادي ) متعجرف يدَّعي العلمية وهو لا علم ولا منهج له .

 

🔹 ما هو أول نص شعري كتبته في حياتك؟ وهل لا زلت تحتفظ به؟ وماذا تشعر عندما تقرأه اليوم؟

 

◽ أول ما كتبته كان بيتا يتيما، كانت محاولاتي في شكل أبيات مفردة عبر أوقات متفاوتة، وأول بيت أذكره مكتوبا قولي عام ١٩٧٨ م من تموز :

 

جَزائرُ مَهدُ الفِدا والجَلالْ

 

وَلَحْدُ الأسودِ وَوِرْدُ الجَمالْ

 

وقلتُ عام ١٩٨٧ م من أيلول :

 

والِدايَ الأمانُ والدِّفْءُ مَهْدي

 

وَهُما النُّورُ عِنْد حَشْري وَلَحْدي

 

وقد تنوَّعتْ المواضيع في الأخلاق والأدب والوطن والطفولة والطبيعة وغيرها … تظل الأبيات الأولى لها أثر خاصٌّ وتاريخي يربطني بذكرى عزيزة عليَّ وهي أولى خطواتي على ضفاف البحر، ولم أنس أن ضممتُ أولى هذه المحاولات في باكورة مجموعتي الأولى ( على ضفاف البحر ) وكان من جميل حظي أن قدَّم لها الشاعر الجزائري الكبير محمد الأخضر السائحي ( رحمه الله) في شباط من عام ١٩٩٠ م .

 

🔹 هل كنت تكتب في السرّ خوفًا من السخرية أو عدم التقدير؟ من أول من آمن بك فعلاً؟

 

◽ من أجلى صفاتي الجرأة والإقدام وعدم الخوف أو الحياء ما دمت على الحق، وفي أمر حسن غير ذي سوء، لم أحاول يوما كتابة الشعر في سرٍّ أو خفاء، ولم أربأ بسخرية أو عدم تقدير، إنَّ عزما عظيما أتمتع به يعصمني من كل تردد أو انطواء أو انعزال، الثقة بالنفس تدفع بي دائما إلى طلب المعالي، وتحثني صوب ارتياد ذرى المطالب، القراءة المتأملة، والمطالعة الثابتة المؤسسة على وعي بالفن والإبداع، وفهم موصول بقيم المعرفة، ينفخ في المبدع روح التأمل، ويثير في النفس دوافع الرغبة والتجديد.

 

🔹هل تتذكر اللحظة التي شعرت فيها أنك “شاعر” أو “مبدع” بالفعل؟ متى حدث هذا التحول؟

 

◽ليست لحظة واحدة بل لحظات، ولا أذكر لحظة بعينها، وعلى الرغم من كتاباتي لا أدَّعي الشعر تكبُّرا، وإنَّما أرتضي لقبَ الشاعر إذا سمعته من أفواه الناس، منهم القرَّاء والنُّقَّادُ وأهل الفن في هذا المضمار، كثيرة هي اللحظات التي ألقيت فيها شعرا لقي قبولا من لدن سامعيه، أشعر بسعة الخيال ونضوج اللغة أسلوبا يتذوقه ويستسيغه قرَّاؤه ومتلقِّيه، هو شعور بالثقة، وإحساس بالنُّصوص التي تقع من نفسي موقعا حسنا، وغالبا ما كنت أقارن أشعاري بمثيلاتها من شعرنا العربي قديمه وحديثه، وأقيم مقاربات بين الأشعار على مستويات فنية وأسلوبية لا أجد بعدها شيئا يدعو إلى الحياء والتردد والخذلان، بالعكس تنبض مشاعر تدعو إلى الفخر والهمَّة والاعتزاز.

 

🔹هل كانت بداياتك بسيطة أم كنت دائمًا تكتب بنضج فني؟ هل تضحك على كتاباتك القديمة أم تفتخر بها؟

 

◽ لا شيء يبدأ ناضجا، ولا أحد ولد كبيرا متكاملا، وكل عمل يبدأ على ثمانية أوجه : محاقا، ثم هلالا متزايدا، وتربيعا أولا، فأحدبا متزايدا، وبدرا، ثم أحدبا متناقصا، وتربيعا ثانيا، وهلالا متناقصا، التجربة الشعرية كعمر الإنسان في مراحل حياته، قد يظهر العمل ضعيفا ثم ينمو شابا فقويا حين يبلغ مرحلة القوة والعطاء، ولا أدعي أن كل ما كتبته ولد ناضجا بلغ أوجه، ولكن التجربة الشعرية عمر ينمو ويتطور، وينمو بنمو مدارك الإنسان، ويتسع باتساع مطالعاته وقراءاته وتأملاته، وما احتفظتُ به من مخطوطات الشعر وقع رضاي عنها، واستأنستُ بها معنى ومبنى وأسلوبا وخيالا وفكرا، لذلك يجد القارئ من أعمالي الشعرية أبياتا ومقطوعات وقصائد أنا راض عنها في جميع مستوياتها.

 

🔹ما أول جائزة أو إشادة شعرت أنها اعتراف حقيقي بموهبتك؟

 

◽أنا من الكتبة الذين لا تشغلهم مسألة الجوائز مهما كانت مسمياتها وألقابها، ومهما بلغت من القيمة أثمانها، أول ما يهمني رضا النفس ثم رضا القرَّاء عن النصوص التي أكتبها، وهو المقام الأول الذي أسعى إليه، وأذكر مرة في أيام الربيع البليدي الشعرية فزت بالجائزة الأولى، صيف عام ٢٠٠١م، وفزت بالمرتبة الأولى بجائزة عاشوراء العالمية نظمتها صحيفة الدار الكويتية عام ٢٠١٠م ، ولم أكن مهتما بالجوائز ولا الألقاب، لأنها لم تكن من طموحاتي وأهدافي.

 

أما الجائزة لم تكن يوما مقياسا للجودة والتميز والعبقرية والتفرد، لأنَّ الجوائز تحكمها لجان تحكيم على اختلاف مستوياتهم ومذاهبهم ونظراتهم، ينظرون إلى الأعمال المتسابقة نظرات ضيقة مصطبغة بصبغة أخرى غير فنية ولا علمية، تتجاذبها ظروف وعوامل وأسباب.

 

وليس زهوا أو صلفا إذ أجد نفسي أكبر من كل جائزة يجعل منها صاحبها غاية لا وسيلة، ينسى فيها إبداعا وفضيلة، والجري وراءها لا محالة يكون هوانا ورذيلة.

 

🔹 الإبداع موهبة أم انتقام من واقع؟ هل تكتب لتُشفى أم لتُحارب؟

 

◽ لا شك أنَّ الإبداع سليقة وفطرة وموهبة وإلهام، وقد يكون انتقاما بحسب ظروف صاحبه المبدع، وتتوقف على حال صاحب الإبداع، تكتب المدونات الإبداعية على اختلاف فنونها بدوافع من رغبات تهيج الضمير الباطن لأصحابها، وبعض كتابات لمشاهير كانت تعبيرا لنداء ضمير، وجوابا لسؤال نفس حائرة، ومرهما لجرح نازف عميق، وخلاصة لتحليل عاشته تجارب حياة، كأشعار امرئ القيس، وأبي العلاء، والمتنبي، وأبي تمام والبحتري فيكتور هيجو، وتولستوي، وغيرهم … أما كتابات الانتقام كما كان من شأن المهلهل عدي بن ربيعة، وعنترة، والشنفرى، ولوركا، وبابلو نيرودا.. وغيرهم ..

 

أما بالنسبة لكتاباتي فمنها ما هو شفاء للروح، ومنها ما هو تعبير عن انتقام لما عانيت منه من حسد الحساد، وكيد الكائدين، وأجمل ما مثل هذا الصنف من كتابة الانتقام هو غرض الهجاء، ومن طبعي هجاء من يقلقني ويثير غضبي ويمنعني حقا لي باطلا وظلما بغير حق، وكم شخصيات هجوتهم وأغلظت لهم في الهجاء، ولم أكتب يوما في موضوع تكلفا واندفاعا بلا شعور، وإنما أكتب استرسالا وتأثرا بنبض ضمير، فلا يزايد أحد علي في مسألة شعر المناسبات وغيرها.

 

🔹من ترى أنه سَرَق منك مجدًا أو فكرة أو أسلوبًا؟ هل حدث أن استُنسِخت أعمالك أو تأثّر بك الآخرون دون اعتراف؟

 

◽ في موضوع السرقات الشعرية لا أدعي شيئا كهذا – على الأقل في حدود ما أعلم – أما ما لا أعلمه فلا علم لي بالغيب، لم أصادف في مسيرتي الشعرية من سرق نصا لي سرقة صريحة، لغة وأسلوبا وإيقاعا، هذا فيما يخص النصوص الإبداعية في مجال الشعر، أما ما يخص الأعمال العلمية وأعني بها بحثي لرسالة الماجستير الموسومة ب : ( ديوان محمد وفا – 765 702 هجرية، دراسة وتحقيق ) نوقشت بجامعة الجزائر تحت إشراف وزير التعليم العالي طاهر حجار عام 1996 م، وأطروحتي في دكتوراه دولة الموسومة ب: ديوان على بن وفا الشاذلي- 759 – 807 هجرية، تحت إشراف الأستاذ الدكتور عمار ساسي، نوقشت بجامعة مولود معمري بتيزي وزو، مطلع عام 2003 م، بعد بحث في مطبوعات دار الكتب العلمية لسنوات بعد 2010م وجدت أن طالبين وأظنهما من فلسطين أو مصر قد طبعا الديوانين وأشارا إليَّ في مراجعهما، ومواصفات الديوانين تدل على اطلاعهما وعلمهما بالمخطوطين السابقين، وكان سبق وأن قدمت النسختين الآنفتين إلى مؤسسة البابطين بنية طبعهما، ولكن لم أتلق ردا إيجابيا من المسؤول عن مركز طبع المخطوطات بالمؤسسة المذكورة.

 

🔹 هل شعرت يومًا أن الوسط الإبداعي مُخادع؟ من الأكثر انتشارًا: الموهبة أم العلاقات؟

 

◽ نعيش في الزمن الرديء، غلبت المادة فيه على الروح، وطغى المبنى على المعنى، وتسلطت الفروع على الأصول، وزاحم فيه القبيحُ الحسنَ، ونضب وغاض الجمال أو يكاد من كل عمل أو نشاط أو مهرجان أو لقاء أو مؤتمر، صارت الموهبة أوالعبقرية آخر ما يذكر في دفتر التعريفات بالشخص أو المبدع، وإنما يعرف الشخص المدعو إلى أي لقاء أو مهرجان بعلاقاته وارتباطاته، وَيُسألُ عن فكره وحزبه واتجاهه وثقافته، حدث أن أقيم مهرجان للشعر بولاية بسكرة ولم أدع إليه، ببساطة لأن القائمين على التنظيم لا ينسجمون مع أفكاري ومذهبي الفكري والأدبي، وكان مسؤول المهرجان المدعو دلباني، ولم يحضره الكثير من كبار الفاعلين في الواقع الشعري الجزائري والعربي، وكان من المفارقات العجيبة أن يغيب عن مهرجان وطني بالجزائر صاحب ( ملحمة الجزائر الكبرى – الجزائريادة- إلياذة الجزائر ) ولكن لا عجب أن يحدث هذا إذا كان منظمو المهرجان غلاظا أجلافا دون المستوى بكثير.

 

وفي الخامس من نيسان عام 2025 م، كرمني واحتفى بي مشكورا اتحاد الكتاب الجزائريين الممثل في أمانته المحترمة، وعلى رأسها الرئيس الشاعر المحترم يوسف شقرة، كان الاحتفاء محترما، حضر فيه العلامة عمار طالبي والوزيرة الكاتبة زهور ونيسي، شرفا الحضور، مع ثلة من الأدباء والشعراء وأهل الفن والإعلام، مع الغياب الكامل لوسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وعدم حضور الكثير من الشانئين والحاقدين والحاسدين والمثبطين، على الرغم من أن العمل هو عمل وطني يمثل تاريخ هذه الأمة بكامل مكوناتها.

 

الوسط الإبداعي مخادع بل أكثر من ذلك فهو منافق ماكر، كافر بالقيم الإنسانية والفنية والجمالية، ترى منهم الكثير من أدعياء الأدب والنقد في جامعات مختلفة بالجزائر العاصمة وقسنطينة وباتنة وعنابة وغيرها… نقاد يتظاهرون بحرفة النقد وهم محترفو علاقات مشبوهة ونفاق وخداع، ومتسولو معارف، ومتسلقو مناصب، أشخاص غلاظة شداد أعراب لا مبدأ لهم سوى جيوبهم وبطونهم وفروجهم.

 

إذا فالموهبة والبيورقراطية والمحسوبية والجهوية والعنصرية في صراع أبدى إلى قيام الساعة.

 

🔹 هل تجد أن الظلم الفني قد طالك؟ وهل سبق أن نُسِب نجاحك لغيرك؟

 

◽ نعم لا ريب فيه ذلك، مرات ومرات أجد نفسى مهمشا ومقصى من العديد من المهرجانات والتظاهرات الوطنية والدولية، والسبب هو أن المنظمين من الخصوم والمناوئين لفكري وإبداعي، ولكن لا أبدى اهتماما بهذا بتاتا، لأن في التاريخ أمثلة مثلي كثيرة ، فشخصيات أدبية وعلمية ظلمت ولم تنصف من الجهلة وعديمي المسؤولية والضمير، وكم مرة انصرف النجاح إلى غيري .. غير أنَّ الذي يظل يمثل النجاح الباهر بالنسبة لي هو نصي الشعري والأدبي الذي أعمل على تأثيثه ليلائم الواقع الجديد، وليكون أكثر حداثة وبلاغة وجمالا وأخلاقا وإنسانية.

 

🔹 لو كنت في بيئة مختلفة، بلا حسد أو قيود، كيف كانت ستكون تجربتك؟

 

◽ سؤال طريف وجميل، كأنه طرح ليكشف عن مكنونات الباطن، ويكشف عما في سريرتي من خواطر وتساؤلات، أقول بكل صراحة وصدق وعمق لولا سهام الحسد والحقد والبيضاء التي رُميتُ بها من الصديق والعدو عبر مسيرتي الممتدة إلى يوم الساعة هذا لأكثر من ستة وأربعين عاما لما كانت كتاباتي الأدبية والشعرية على وجه الخصوص بلونها وشكلها وعمقها ولسانها ومحتواها وأبعادها، ولا أتحرَّج حين أقول أنا أكتبُ طوال حياتي وأنا بين موقفين موقف الصفاء والعرفان والتأمل، وموقف الانتقام وإثبات الذات الوجودية والأدبية أمام زوابع وعواصف الزمن الرديء المشين، وأستمتع كثيرا يوم أكتب مطيحا بعصا إبراهيم وسليمان وموسى بالعديد من رؤوس تماثيل وثعابين وسحرة هذا الزمن المخزي المهين.

 

🔹 في مسيرتك الشعرية الغنية، ما العمل الذي تعتبره ذروة عَطائك الإبداعي، ولماذا؟ وهل هناك جديد أدبي تحضّر له يمكن أن تكشف عنه؟

 

◽ العمل الذي أعتبره الذروة في أعمالي الأدبية إلى يوم الساعة هذا هو ( ملحمة الجزائر الكبرى أو الجزائريادة إلياذة الجزائر ) وعمل آخر عنوانه ( أوديسة الجزائر )، وهناك أعمال أخرى سيكشف عنها الزمن بحول الله تعالى.

 

🔹 في رأيك، ما الذي يميز الشاعر الحقيقي عن “صناعة التسميات” التي نراها اليوم تُمنح دون معيار واضح؟ وهل ظلمتك هذه الظاهرة يومًا؟

 

◽ الشاعر الحقيقي يصنعه نصه، ولقب شهرته لا يأتي من خارج ما يدور من حوله، بل يؤثث بمكوناته الذاتية التي تنبع من داخل نفسه، قدراته هي أدواته الفنية والجمالية التي تجعل منه فاعلا مبدعا على أسس لا شأن للآخرين بها.

أما الإعلام والإشهار فهما عاملان إضافيان مكملان لم يكونا يوما أساسا في بناء التجربة الإبداعية.

 

🔹 الوسط الأدبي في الجزائر – كما في غيره – يشكو من أسلوب المحاباة والمجاملات، كيف عايشتَ هذا الواقع؟ وهل أثّر ذلك على فرصك الأدبية أو حضورك الإعلامي؟

 

◽ المحاباة والمجاملات أسلوب من لا موهبة له، وصاحب جدب وجفاف ومن لا إبداع له يحابي ويجامل حتى يتقرب ممن يريد الوصول إليه لتحقيق أرب، وسعيا إلى البياتي حاجة، نقيضه من يفرض وجوده بقدرات ذاته صانعا ومبدعا وفاعلا، لكن الواقع الثقافي الذي أعرفه كما يعرفه الجميع مبني على المحاباة والمجاملات والعلاقات والروابط التي تقام في كواليس ودهاليز المؤسسات الرسمية والمراكز والمنظمات والجمعيات ودور الثقافة وغيرها، ومبادئي لا تتصف بأية صفة من الصفات التي ذكرتها آنفا، الحمد لله إذ أحسب نفسي عصاميا بنيت وأسَّستُ عالمي الإبداعي والوجودي ( المادي ) اعتمادا على الذات المثابرة المجاهدة لا على الغير، وهذا ما أنا سعيد به، وإنِّي لفخور به أيّما افتخار.

 

🔹 كثيرًا ما يُقال إن “قصيدة النثر” ليست شعرًا بالمعنى التقليدي، ما موقفك الصريح من هذا النوع؟ وهل تراها انحرافًا أم تطورًا طبيعيًا للشعر؟

 

◽عندما يصل السائلون والمتسائلون عن ( قصيدة النثر) إلى مستوى الأديب الكبير العملاق محمود عباس العقاد في معرفته بالآداب العربية والغربية والشرقية بإمكانهم أن يخوضوا في مسألة الشعر والنثر، وموقفي صريح وواضح مع موقف العقاد الذي اعتبر مجرد التفكير في الشكل النثر ووصفه بالشعر هو محض هراء! والناقد أو الشاعر الذي يحترم نفسه يترفع بذاته عن الحديث حول ما لا أساس له من الفن ولا خصائص له.

 

حتى الشكل النثري عند الغرب له ميزانه عندهم، وهو القائم على مسألة النبر وهو جوهر الميزان في الشعر الغربي، في تناوب المقاطع المشددة وغير المشددة، ( ذات النبر وغير ذات النبر )، الفارق بين الوزنين واضح، فالنبر يتحدد بأبنية الكلمات، والقافية هي في الغالب ما انتهى من الكلمة في متحركها وساكنها.

 

الشعر مرتبط لا ريب بثقافة العرب ولسانهم، وهو صورة لباطنهم وظاهرهم، وترجمان للعرف والنفس والفكر لدى أهله ، واختلاف الغرب والعرب لا شك هو اختلاف يمتد إلى الشعر والتفكير معا.

 

🔹برأيك، ما الذي ينقص المهرجانات والملتقيات الأدبية في الجزائر لتكون في مستوى تطلعات الأدباء الحقيقيين؟

 

◽ الذي ينقص المهرجانات والملتقيات الأدبية في الجزائر حتى تكون في مستوى تطلعات أهل الأدب الحقيقيين هو القضاء على الحسد والحقد في الوسط الأدبي والثقافي، ونبذ التعامل بالتهميش والإقصاء للفاعلين المبدعين ذوي المواهب الظاهرة، والعبقريات المتميزة، يوم تنظف أجواء الساحة الأدبية من مرضى النفوس يتقدم الأدب، وتنهض الصحوة الثقافية في وضوح وإباء دون خنوع ولا انتكاس ولا سكرة ولا غموض.

 

🔹من خلال تجاربك، هل تعتقد أن المضمون في هذه الفعاليات الأدبية يتفوّق على الشكل، أم العكس؟ وماذا عن نوعية الحضور والمشاركات؟

 

◽ مع الأسف في كل الفعاليات الأدبية يخرج منظموها أغنياء، يستفيدون ماديا ومعنويا، ولا يولي المنظمون ورؤساء هذه الفعاليات اهتماما للإبداع والموهبة والعبقرية اهتماما، ولكن ما يهمهم أساسا هو إقامة المعارف، وتبادل وقضاء المصالح، والشكليات على العموم تغلب على المضامين في أحايين كثيرة.

 

🔹هل تلقّيت يومًا دعمًا مادّيًا أو معنويًا من وزارة الثقافة الجزائرية؟ وكيف تقيّم علاقتها بالشعراء والمبدعين؟

 

◽ الحمد لله ولله الحمد به تتمُّ الصالحات، من صندوق الدعم المخصص من طرف وزارة الثقافة والفنون تم طبع ( ملحمة الجزائر الكبرى- إلياذة الجزائر) لعام 2024 م ، ولكن لسوء الحظ لم تطبع جميع أجزاء الملحمة الخمسة، على الرغم من تقديم الطعن المقدم من لدن صاحبة دار ( تين وزيتون) القائمة والمكلفة والمخولة قانونا في طبع ونشر الملحمة، على الرغم من هذا شكري موصول لوزارة الثقافة والفنون على دعمها لممثل هذا العمل الشعري التاريخي الوطني .

 

أما علاقة وزارة الثقافة بالشعراء وأهل الإبداع تقوم غالبا عبر وسائط وعلاقات وروابط يتم بها قضاء الحاجات، ومن لا رابطة ولا معارف له بوزارة الثقافة لا حظ له في قضاء حاجته، والمشكل ليس في مكتب الوزير بل في حاشيته وخارج مكتبه، وأكثر المشاريع والصفقات الخفية تقام وتتم مداولاتها في كواليس الوزارة، وفي مستشاري الوزارة يكمن الخلل، وحولهم تدور جميع الأسئلة.

 

🔹من واقع تجربتك، هل ترى أن المؤسسة الثقافية الرسمية تملك رؤية واضحة تجاه الشعر والأدب، أم أن دورها ما يزال شكليًا؟

 

◽ من خلال تجربتي التي تجاوزت الأربعة عقود من الزمن في المجال الأدبي والثقافي أرى أن الجهات الرسمية ظلت وتظل بعيدة عن تحقيق المرام ، والوصول إلى الغايات التي يطمح إلى تحقيقها أهل الأدب والثقافة في وطننا المجيد، نحو طريق تحقيق الغايات، وتجاوز الصعوبات، وتخطي العراقيل، وكسر القيود على محبِّي التطوير والتغيير، أخطاء ومشاكل يجب التخلص منها للوصول إلى خدمة الفن والإبداع والجمال، من هذه العقبات الحسد والحقد، والجهوية والإثنية والبيورقراطية والحزبية، إنَّ الاحتكام إلى الموهبة والعبقرية هو السبيل إلى رؤية أدبية واضحة لا غموض فيها، وعلى مسؤولي هذه المؤسسة توظيف ودعم الإبداع الحقيقي لا الزائف القائم على المحاباة والمجاملات والنفاق والعلاقات والأحزاب.

 

🔹في زمن التحوّل الرقمي، كيف تقيّم تفاعل الشعر الجزائري مع الفضاءات الجديدة؟ وهل ترى أن الشعر ما زال قادرًا على التأثير؟

 

◽في خضم التحوُّلات الرقمية الكبرى، وعبر مختلف الفضاءات المتعددة يظهر الشعر مصطخبا متماوجا بين تيَّارات متضاربة متداخلة، والحكم في كل هذه التفاعلات إلى الذائقة الجمالية التي هي الأساس في فن الشعر، وتأثيره فيمن حوله ينبع من داخله، من حيثُ القوة والنضج والأصالة والبناء والدلالة، هذه الخصائص الفنية جميعها إذا توفرت في النص الشعري لا ريب في تفاعله مع محيطه، ولا غرو في تأثيره تأثيرا إيجابيا في الفرد والمجتمع.

 

🔹 لو طُلب منك أن تختار شاعرًا أو أديبًا جزائريًا معاصرًا تعتبره صوتًا استثنائيًا، من يكون؟ ولماذاا.

 

◽ الأدب ومنه الشعر ليس من العلوم الدقيقة، ولا هو من العلوم التجريبية، هذه العلوم قائمة على النظر والتأمل والتحليل والتجربة، والنتيجة تأتي على حسب ما ما ذكرناه سابقا، وإذا كان كل ما قامت عليه خاطئا لا بدَّ أن تأتي النتيجة خاطئة أيضا، أما ما يخصُّ العلوم الإنسانية والشعر فرع منها، يعتمد على الشعور المنبعث من النفس، إذا فالشعر نتاج حالة نفسية تتأثر بعوامل أخرى من حولها، فالعلم التجريبي والدقيق مرتبط بمكونات وأسباب طبيعية لا علاقة لها بالنفس إطلاقا، ونصوص الشعراء تختلف موضوعا وجدة ولغة وأسلوبا وإبداعا وفكرا ونجا وإيقاعا، ولا يمكن أن تكون في مستوى واحد من الجودة، والحكم عليها لا يكون إلا نسبيا، تتحكم في نقده وتقييمه العديد من العوامل الفنية والأسلوبية، الشاعر الذي يكون كبيرا بنص من إبداعاته، قد لا يبدو كذلك في بعض نصوصه الأخرى، إذا لا يمكن اعتبار أي شاعر مهما كان استثنائيا، فلا استثناء في الشعر لأنه ليس وحيا يوحى، ولأن الذائقة الشعرية حالات وتجارب تتحكم فيها ظروف ومشاعر تجعلها نسبية على الدوام.

عبد العزيز شبِّين     هرو ويلد / لندن : 20 / 7 / 2025 م

________________________________________________

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار