السياسيةالمقالات

من كربلاء إلى القدس؟ إسرائيل الكبرى مقابل ثورة الأمام الحسين ع

بقلم الكاتب أ م د مهدي علي دويغر الكعبي

من النيل إلى الفرات..أم من كربلاء إلى القدس؟ إسرائيل الكبرى مقابل ثورة الأمام الحسين ع الكبرى المجرم نتنياهو يُعلن “الحلم الصهيوني” والشيعة يُحيون “وعد الشهادة صراع الوجود والمصير
يومٌ واحدٌ… تاريخان: “إسرائيل الكبرى” و”المليونية الحُسينية المقاومة بالدم وكيف حوّل الحسينُ فلسطينَ قضيةً أبدية؟

بقلم الكاتب أ م د مهدي علي دويغر الكعبي

يبدو أن التاريخ اختار يومًا فريدًا للتذكير بالحقيقة المزدوجة في يومٍ واحدٍ تصادفتْ مشاهدُ متناقضةٌ تُلخّص صراعَ الأمّةِ مع مشروعها التحرري وانبثاق ملايين الزائرين في طريق زيارة الإمام الحسين علية السلام المليونية التي تشكل على الدوام رمزًا للمقاومة والكرامة والحرية في وجه الظلم والاستبداد . يوم واحد جمع بين مشروع الاحتلال المستمر منذ قرن وتجربة الإنسان المؤمن في الدفاع عن الحق والعدالة.
– من جهة بنيامين نتنياهو … يُعلن صراحةً عن “إسرائيل الكبرى” مُستعيداً أحلامَ “من النيل إلى الفرات” ومُستفزّاً بجرأةٍ تاريخَ وجغرافيا المنطقة.
– ومن جهةٍ أخرى ملايين الشيعة … يُحيون ذكرى ثورة الإمام الحسين (ع) في “زيارة الأربعين” بمشاهدٍ تُجسّد مفهوم “المقاومة بالدم” والتي يُروى تاريخياً أنها “طريق تحرير فلسطين”.

بين “إسرائيل الكبرى” و”طريق الحسين”.. يومان في يوم واحد هذا التزامنُ ليس صدفةً بل هو تعبيرٌ عن صراع المشاريع .
في لحظة مشبعة بالدلالات تزامن حدثان متناقضان على نحو يختزل صراع الأمة بين مشروعين …
الأول – مشروعٌ صهيونيٌ يستمدّ شرعيته من القوة العسكرية والدعم الغربي ويُحاول إعادة رسم الخرائط بالقوّة. أعلنه بنيامين نتنياهو بصوت الواثق وهو إعادة إنتاج حلم “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات متكئًا على إرث الصهيونية السياسية والعسكرية منذ هرتسل إلى بن غوريون وصولًا إلى اليمين الديني المتطرف اليوم.
والثاني – مشروعٌ مقاومٌ يستمدّ شرعيته من الإيمان الديني والإرث التاريخي ويُجذّر فكرةَ أن “الموت في سبيل الله هو الحياة الحقيقية” حيث انطلق في ذات اليوم من أرض العراق نحو كربلاء حيث تدفقت الملايين في مسيرة الحسين المليونية التي تحوّلت من شعيرة روحية إلى رمز عالمي للمقاومة والثبات على المبدأ حتى أصبحت في وعي كثيرين “طريق تحرير فلسطين”.

من هرتسل إلى نتنياهو.. الحلم التوراتي في ثوب القوة العارية .
لم يعد المجرم نتنياهو يكتفي بلقب رئيس وزراء بل يضع نفسه في مكانة شبه رسالية متحديًا كل الأعراف الدولية والتاريخية فتصريحاته ومشروع “إسرائيل الكبرى” ليس وليد اللحظة بل هو خلاصة تراكم فكري وعسكري بدأ مع الصهيونية الأولى. لكن المجرم نتنياهو بخطابه الأخير انتقل به من مستوى الحديث الغامض إلى مستوى الإعلان المباشر واضعًا خرائطه التوسعية بلا خجل .. السيطرة من النيل إلى الفرات وتحويل الكيان الصهيونى إلى مركز الهيمنة الإقليمية المطلقة.
هذا المشروع يعتمد على ثلاث ركائز:
١ . الهيمنة العسكرية .. من غزة إلى الضفة ومن جنوب لبنان إلى الجولان بأدوات الإبادة والتهجير القسري وتغيير الخرائط الديموغرافية.
٢ . الغطاء الأميركي .. حيث توفر واشنطن الدعم الكامل سياسياً وعسكرياً وتغض الطرف عن الجرائم بل وتشارك في تسويقها.
٣ . الفراغ العربي ضعف وتخاذل الموقف الرسمي العربي بل وتعاون بعض العواصم في تنفيذ أجزاء من المخطط.

كربلاء.. حين يتحول الموت إلى فن .
في المقابل كانت الملايين تملأ طرق العراق نحو كربلاء رجال ونساء وأطفال يقطعون مئات الكيلومترات لا بحثًا عن مكسب دنيوي بل تجديدًا لعهدٍ مع الحسين الذي علّم الأمة أن الموت إذا كان في سبيل الحق فهو حياة.
الحسين الذي واجه مشروع استعباد الأمة الأموي قبل ١٤ قرنًا تحوّل في الوعي الجمعي للملايين إلى أيقونة مقاومة كل طغيان سواء كان بلباس ديني أو صهيوني أو استعماري.

المسيرة المليونية لم تعد مجرد شعيرة دينية بل صارت بل هي صمود الإنسان أمام الطغيان.
في ذات اليوماللي أعلن المجرم نتنياهو عن رؤيته الطموحة . تجمع الملايين من الزوار في كربلاء وفي طرقات العالم لنقل رسالة الامام الحسين عليه السلام الكرمة والمقاومة والتضحية . التاريخ يذكرنا بآن طريق الحسين هو طريق تحرير الأرض والكرامة طريق يتحدى الظلم مهما طال الزمن ويعلم الإنسان كيف يموت وهو يحافظ على مبادئه فالحسين علم أتباعه أن المؤت فن وأن الشهادة أعلى أوجه العزة والحرية .

• استعراض قوة ناعمة .. ٢٢ مليون إنسان من أكثر من ٨٠ دولة يجتمعون بلا دعوة رسمية أو حافز مادي.
• رسالة سياسية .. أن الأمة التي تحيي ذكرى الحسين قادرة على الصمود أمام مشاريع الهيمنة.
• ربط روحي بالمقاومة المعاصرة .. فالحسين حاضر في جنوب لبنان وفي غزة وفي كل ساحة تقول “لا” للطغيان.

بين تقاطع الرؤيتين وبين التقاء الرمزين.. صراع مشروعين القوة مقابل الحق الاحتلا مقابل المقاومة .

حين يعلن العدو نتنياهو “إسرائيل الكبرى” في اليوم ذاته الذي يشهد فيه العالم مسيرة الحسين الكبرى يبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه:
• مشروع يريد السيطرة على الأرض والإنسان بالقوة والسلاح والتحالفات الدولية.
• ومشروع آخر يحرر الإنسان من الخوف ويجعله يواجه القوة بالمبدأ والإيمان.

والمفارقة أن الأمام الحسين علية السلام الذي لم يملك جيشًا ولا دولة هزم في الوعي الإنساني كل مشاريع الطغيان لأن موته كان فنًا في الدفاع عن الكرامة فيما نصر الطغاة مؤقت ينهار أمام الزمن والمبادئ. وهذا المشهد اليوم يذكر العرب والمسلمين بأن كل مشاريع الاحتلال مهما بلغت قوتها ستصطدم بروح شعوب تؤمن بالحق وأن صمت أو تخاذل بعض الدول العربية لن يوقف تاريخ المقاومة الذي توارثته الأجيال كما أنه يضع أمامنا سؤالًا وجوديًا … هلستبقى الأمة صامتة أم ستستيقظ لتعيد رسم الحدود الحقيقية للكرامة والعدالة .

من النهر إلى البحر.. ومن كربلاء إلى القدس .
مشروع العدو “إسرائيل الكبرى” قد ينجح مرحليًا في فرض خرائطه على الأرض لكنه يصطدم بجدار صلب من الذاكرة والمقاومة جدارٌ يتغذى من كربلاء.
هذه المسيرة المليونية التي تتجدد كل عام هي في جوهرها تربية جماعية على رفض الظلم وهي – بشكل غير مباشر – خزان بشري ومعنوي لكل حركات المقاومة من فلسطين إلى اليمن.
ومن يقرأ تاريخ الصراعات الكبرى، يدرك أن “القوة الناعمة” القائمة على العقيدة والهوية كثيرًا ما أطاحت بـ”القوة الصلبة” التي تتغذى على البطش وحده.

في النهاية ..
يوم إعلان العدو نتنياهو “إسرائيل الكبرى” ليس مجرد حدث سياسي بل علامة فارقة في كشف النوايا التوسعية الصهيونية.
واليوم يظل درس الحسين حيا.. الموت ليس النهاية بل طريقة لإحياء الحق وإشعال شعلة الحرية ومثلما نرى التحديات تتفاقم في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والعراق تظل شعائر الحسين منارة لكل من يريد أن يعرف كيف يعيش بحرية وكيف يموت بكرامة وهكذا في يوم واحد تعكس الأحداث تضادًا واضحًا بين مشروع القوة والطغيان ومشروع الحق والمقاومة ليبقى التاريخ شاهدًا على أن الكرامة لا تقهر وأن الحسينية يزال حيًا في قلوب أتباعه.
لكن أن يتزامن مع يوم المسيرة المليونية للحسين فهذا يمنح الصراع بعدًا رمزيًا وروحيًا عميقًا ..
الأول يسعى للهيمنة على الأرض باسم الأسطورة التوراتية والثاني يسير على الأرض باسم الحق الإلهي في مقاومة الظلم.

وفي النهاية قد تطول المعركة لكن التاريخ علّمنا أن الحسين مشروع حياة، والطغيان مشروع زوال.

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار