حين تُسجن الأم أو الأب.. يتحول الأطفال إلى الحلقة الأضعف في مجتمعنا بقلم انتصار الحسين
حين تُسجن الأم أو الأب.. يتحول الأطفال إلى الحلقة الأضعف في مجتمعنا بقلم انتصار الحسين
عندما يُحتجز أحد والدي الأسرة في السجن، تبدأ مأساة حقيقية لا تنتهي فقط بخسارة الحرية، بل تمتد لتشمل أكبر المتضررين: الأطفال. هؤلاء الأطفال الذين يفقدون رعاية الأم أو الأب، يصبحون في مواجهة معقدة وخطيرة، فهم يتركون وحيدين أمام تحديات الحياة، في مجتمع غالبًا ما يجهل أو يتجاهل احتياجاتهم الحقيقية.
هذه القضايا تكشف عمق القصور في منظومة العدالة الاجتماعية والدعم الحكومي. فالعقوبة تُطبق على الوالد أو الوالدة، لكن نظام الرعاية لا يوفر بدائل حقيقية أو حماية كافية للأطفال الذين تُترك مسؤوليتهم معلقة. النتيجة غالبًا تكون الإهمال، والتعرض للخطر، وربما الانحراف، في مجتمع لا يمنحهم فرصًا عادلة للنمو والحياة الكريمة.
مشاكل السجن لا تقتصر على حرمان الحرية فقط، بل تتفاقم عندما تُغفل الجهات المسؤولة أهمية تأهيل المحكوم عليهم، ودعم أسرهم، وبالتالي ضمان استقرار بيئة الأطفال. وضع الأطفال في وضع هش من دون حماية يجعلهم عرضة لمخاطر متعددة تهدد مستقبلهم ومجتمعهم.
لذلك، من الضروري أن تُبنى إجراءات واضحة تصاحب تنفيذ العقوبات، بحيث تشمل برامج تأهيل للآباء والأمهات، ودعمًا ماديًا ونفسيًا للأطفال، وضمان بيئة مستقرة للعائلة خلال فترة السجن. كذلك، يجب أن تكون هناك لجان متابعة دورية تراقب أحوال هذه الأسر، وتعمل على توفير حياة كريمة من خلال تأمين مسكن مناسب وراتب ثابت، إضافة إلى خدمات نفسية وتعليمية للأطفال.
المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الدولة، بل يمتد دورها إلى المجتمع المدني والمؤسسات البرلمانية، حيث من المهم أن يكون هناك صوت قوي يدافع عن حقوق الأطفال والأسر الضعيفة، وأن تتبنى هذه الجهات مبادرات تشريعية وإنسانية تحمي الأسرة وتدعمها بدلاً من تركها تتحمل أعباء التأزم.
مع ذلك، فإن الواقع المرير هو أن دور النائبات في مناطقهن ودوائرهن يبقى ضعيفًا إلى حد كبير، وغالبًا ما يفتقر إلى المتابعة الحقيقية والمصداقية في التعامل مع الحالات التي تحتاج إلى رعاية ودعم. الكثير من الأسر المحتاجة لا تجد في هؤلاء النائبات من يتفقد أوضاعها بشكل فعلي، مما يدل على فجوة واضحة بين التمثيل الرسمي والالتزام العملي تجاه معاناة المرأة والطفل في مناطقهن.
المأساة ليست في تشديد العقوبات فقط، بل في غياب منظومة تعطي السجن دوره الإصلاحي الحقيقي. فإذا تمكنت الدولة من توفير شبكة حماية متكاملة للأطفال الذين فقدوا رعاية الوالدين بسبب السجن، فإنها بذلك تقي المجتمع من إنتاج أجيال قد تعاني من الضياع والانحراف.
إن تبني سياسات دعم استباقية وعدم انتظار تفاقم الأزمة هو السبيل الأمثل لتفادي معاناة العديد من الأسر. كما على الجمعيات النسائية أن تتجاوز أنشطتها الشكلية، لتكون جسراً حقيقياً يقدم الدعم الواقعي لتلك الأسر، بينما يجب على النائبات في البرلمان أن يمثلن حقوق النساء والأطفال بصدق وفعالية بعيدًا عن التمثيل الرمزي، وأن يلتزمن بمتابعة الحالات داخل محافظاتهن وأماكن نفوذهن بشكل جدي وحقيقي.
في النهاية، لا يجب أن تُنظر قضية الأطفال المتروكين بسبب حبس أحد الوالدين كمسألة فردية فقط، بل كنداء إنساني يحث الجميع على تحمل المسؤولية. فحماية الأطفال تبدأ من حماية الأسرة، والعقوبة الحقيقية هي التي تترك بصمة إيجابية تسهم في إصلاح الحياة لا تعميق جراحها.