
خور عبد الله لعبة الشطرنج السياسية.. بين الواقع والإيحاءات الصدرية هل يعيد التاريخ نفسه بمظاهرات تُغيّر خريطة العراق؟ لماذا الآن؟.. خيوط خارجية أم أزمة ثقة بين الحكومة والشعب؟ هل تُؤجل الانتخابات أم تُشعل الشارع …
بقلم الكاتب والمحلل الاكاديمي
أ م د مهدي علي دويغر الكعبي
التدريسي في الجامعة العراقية
مقتدى الصدر والحنانة.. أيقونة الثورة أم ورقة ضغط جديدة؟وهل سنشهد عصرًا جديدًا من الاحتجاجات أم انتظارًا لـ’فزعة’ الصدر؟
المقدمة … …
في زمن يغلي فيه العراق فوق صفيح ساخن من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعود قضية خور عبد الله لتتصدر المشهد وكأنها صُنعت خصيصاً لإعادة خلط أوراق اللعبة قبل الانتخابات النيابية المقبلة السؤال الجوهري هنا .. هل نحن أمام ملف حدودي بسيط أم أن خلف الستار خيوطاً إقليمية ودولية تسعى لزعزعة الاستقرار وتأجيل الاستحقاق الانتخابي؟
ومن هنا يبدو أن قضية خور عبد الله عادت إلى الواجهة في توقيت سياسي حساس لتشكل معركة جديدة بين الواقع والإيحاءات الصدرية وبين مصالح القوى الداخلية والخيوط الخارجية التي قد تعمل على إرباك المشهد السياسي العراقي قبيل الانتخابات النيابية المقبلة السؤال الأبرز: هل يمكن لهذا الملف البحري أن يتحول إلى ورقة ضغط تؤدي إلى تأجيل الانتخابات أو حتى إشعال احتجاجات واسعة جديدة؟
أزمة خور عبد الله … ما بين القانون والسيادة .
قضية خور عبد الله ليست مجرد نزاع قانوني أو ترسيم حدود بل تمثل مركباً من الذاكرة التاريخية والجروح السياسية يعود إلى ما بعد حرب الخليج الثانية وترسيم الحدود الأممي عام 1993. هذا الممر المائي الحيوي بالنسبة للعراق والذي يُعد منفذه البحري الوحيد ظل محل جدل بسبب موقعه المحاصر بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين اللتين تحدان قدرة العراق على إنشاء موانئ عميقة قادرة على المنافسة.
قرار المحكمة الاتحادية في 4 أيلول 2023 بعدم دستورية التصديق على اتفاقية عام 2013 بين العراق والكويت فجّر موجة جديدة من الاحتجاجات والجدل، ما جعل القضية تتجاوز كونها قانونية لتدخل ساحة المناكفات السياسية هنا ظهر خطاب جماهيري غاضب رافض لما اعتبره “تفريطاً بالسيادة العراقية”.
التوقيت ليس بريئاً… لماذا اخيوط خارجية ولعبة الداخل لماذا الآن
من اللافت أن توقيت طرح هذا الملف يتزامن مع سباق سياسي داخلي محموم بعض الأطراف ترى أن “ثعلب المكون السياسي” و”فتى الخليج المدلل” من القوى السنية يحاولان تشتيت المكون الشيعي عبر دفع النقاش نحو قضايا خلافية لكسب الأغلبية في بغداد وصياغة معادلة سياسية جديدة.
وفي المقابل هناك من يعتقد أن قوى إقليمية ودولية ربما تستثمر في تأجيج الخلاف العراقي – الكويتي لإرباك الوضع السياسي الداخلي وإدخال العراق في حالة فوضى منظمة تمنع استقرار السلطة وتؤجل الانتخابات لمصالح تتجاوز حدود المنطقة.
لانه ليس من المنطق أن تنفجر أزمة اتفاقية خور عبد الله (2013) . في هذا التوقيت تحديداً من دون أن تكون هناك أصابع خفية تدفع نحو التصعيد فالقضية لم تولد بالأمس بل ظلت لعشر سنوات في الظل ليتم إحياؤها فجأة بعد حكم المحكمة الاتحادية في 2023 بعدم دستورية التصديق عليها.
هذا التوقيت يتزامن مع…
• اقتراب الانتخابات النيابية التي تبدو الأكثر حساسية منذ 2003.
• تراجع ثقة الشارع في الأحزاب الحاكمة واحتقان شعبي يغلي تحت الرماد.
• صراع مراكز النفوذ بين إيران والخليج ورغبة واشنطن في إبقاء العراق في حالة عدم استقرار سياسي دائم.
الشارع بين “الإيحاءات الصدرية” واحتمالات الاحتجاجات .
في خضم هذا الغليان الشعبي يطل سؤال آخر…
هل سيستثمر السيد مقتدى الصدر هذه الأزمة ليقلب الطاولة على خصومه السياسيين؟
الصدر، الذي اعتاد استخدام لغة الحسم من الحنانة في توقيتات مفصلية قد يجد في قضية خور عبد الله أرضية شعبية خصبة لإعادة ترتيب المشهد الانتخابي خصوصاً مع اتساع دائرة النقمة على أداء النخب السياسية.
الإشارات الصدرية حتى الآن تحمل نبرة التحذير من الفساد والتفريط بالسيادة وقد تتحول – إذا اشتدت الأزمة – إلى دعوة صريحة للتظاهر وهو سيناريو قد يدفع نحو تعطيل أو تأجيل الانتخابات خصوصاً إذا اندلعت تظاهرات كبرى تعيد أجواء احتجاجات تشرين.
يدرك السيد مقتدى الصدر أن أزمة خور عبد الله قادرة على حشد الشارع ليس فقط لأنها تمس السيادة الوطنية بل لأنها تلامس الوجدان الجمعي للعراقيين الذين يرون في الكويت “أرضاً اقتُطعت ظلماً” بفعل قرارات أممية.
الصدر بخطابه المتقلب بين التصعيد والتهدئة قد يجد في هذه القضية ذريعة لإطلاق موجة جديدة من المظاهرات شبيهة بما حصل في احتجاجات 2019 .مع فارق أن هذه المرة سيكون الهدف خلط أوراق الانتخابات وربما تأجيلها خصوصاً إذا شعر أن النتائج المقبلة قد تُفرغ نفوذه من مضمونه.
خيوط خارجية مابين لإرباك بغداد … ومابين لعبة الداخل .
من اللافت أن توقيت طرح هذا الملف يتزامن مع سباق سياسي داخلي محموم بعض الأطراف ترى أن “ثعلب المكون السياسي” و”فتى الخليج المدلل” من القوى السنية يحاولان تشتيت المكون الشيعي عبر دفع النقاش نحو قضايا خلافية لكسب الأغلبية في بغداد وصياغة معادلة سياسية جديدة.
وفي المقابل هناك من يعتقد أن قوى إقليمية ودولية ربما تستثمر في تأجيج الخلاف العراقي – الكويتي لإرباك الوضع السياسي الداخلي وإدخال العراق في حالة فوضى منظمة تمنع استقرار السلطة وتؤجل الانتخابات لمصالح تتجاوز حدود المنطقة.
كذلك لا يمكن فصل أزمة خور عبد الله عن حرب النفوذ الإقليمي والدولي..
• إيران تراقب المشهد عن كثب وتعلم أن أي توتر مع الكويت (الحليف الخليجي القوي) قد يمنحها فرصة أكبر للضغط على الحكومة العراقية لتبقى ضمن “محور المقاومة”.
• السعودية والإمارات والكويت من جهتها تدرك أن أي تصعيد شعبي عراقي حول خور عبد الله قد يضعف “المكون الشيعي السياسي” ما يعزز نفوذ “المكون السني” في بغداد وربما يتيح لشخصيات سنية مثل محمد الحلبوسي أو غيره إعادة رسم ملامح السلطة.
• الولايات المتحدة قد تجد في هذه الأزمة فرصة لإبقاء العراق معلقاً سياسياً فلا استقرار كامل يسمح بالتمدد الإيراني ولا انهيار شامل يعطل مشاريعها.
هل يعود حلم “الكويت إلى الواجهة كملف سيادي المحافظة 19”؟ .
تتردد في الشارع العراقي أصوات تلوّح بـ”الحلم القديم” الذي يراود بعض الأوساط بضم الكويت كمحافظة عراقية وهو خطاب شعبوي أكثر منه واقعي لكنه يعكس عمق الاحتقان هذا الطرح على الرغم من أنه غير عملي في سياق المعادلات الدولية الحالية يستخدم أحياناً كأداة تعبئة سياسية وشحن جماهيري خصوصاً إذا استمرت الأزمات وتعمقت خيبات الأمل من الطبقة السياسية.
وقد يكون الحديث عن إعادة الكويت كـ”محافظة عراقية” هو خطاب رمزي يعكس غضب الشارع لكنه يبقى شبه مستحيل واقعياً في ظل النظام الدولي الحالي غير أن بعض القوى السياسية في العراق قد تستثمر هذا الحلم كأداة شحن انتخابي لتظهر بمظهر “حامي السيادة” وتكسب أصوات الجماهير الساخطة.
المكون السني… الفائز المحتمل؟ .
ثمة من يعتقد أن أزمة خور عبد الله قد تكون مصيدة سياسية حيث يتم جر الشارع الشيعي إلى معركة جانبية مع الكويت فيما يتحرك المكون السني بهدوء لتأمين أغلبية نيابية في بغداد.
“فتى الخليج المدلل” كما يسميه البعض قد يستخدم هذا الارتباك ليفوز بالمركز الأول انتخابياً في ظل انقسامات شيعية متزايدة وتنافس صدري – إطاري محتدم.
العراق… الرجل الكهل في مواجهة عواصف الداخل والخارج .
العراق اليوم يبدو كـ”رجل كهل” أرهقته الصراعات الطائفية والسياسية وأصبح كل طرف يقتطع من جسده قطعة لمصلحة كرسي أو نفوذ شخصي
القضية ليست فقط في خور عبد الله بل في العقلية السياسية التي تفرط بالمستقبل مقابل المكاسب اللحظية تاركة الشعب بين مطرقة الأزمات وسندان الشعارات الفارغة.
سيناريوهات تأجيل الانتخابات .
1. تصعيد الشارع الصدري … إذا دعا الصدر إلى تظاهرات ضد “التفريط بالسيادة” فقد يؤدي ذلك إلى شلل سياسي وأمني يعطل الانتخابات.
2. التدخل الإقليمي … أي توتر متعمد بين العراق والكويت قد يدفع إلى تأجيل الانتخابات بحجة “حماية الأمن القومي”.
3. خيار الحكومة… بعض الأطراف داخل السلطة قد ترى أن تأجيل الانتخابات مصلحة لضمان إعادة ترتيب التحالفات ومنع انقلاب في موازين القوى.
في النهاية … العراق بين المطرقة والسندان .
قضية خور عبد الله ليست نزاعاً حدودياً بقدر ما هي ميدان حرب ناعمة بين قوى الداخل والخارج.
• إذا استمر الصدر في اللعب على وتر السيادة فقد نكون أمام موجة احتجاجات قد تعيد سيناريو 2019 وربما أخطر من خلال تحريك الشارع فسيكون هذا الملف وقوداً مثالياً إن أراد .
• وإذا استمرت الحكومة في محاولة إرضاء الكويت والغرب فقد تفقد ما تبقى من ثقة الشارع ومراوحتها كذلك فقد تنفتح أبواب الفوضى على مصراعيها .
•أما إذا استغلت بعض القوى الإقليمية هذه الأزمة، فقد نجد أنفسنا أمام مشهد يتجاوز الانتخابات إلى إعادة خلط أوراق النظام السياسي بأكمله.
العراق اليوم يقف أمام لحظة اختبار مصيرية إما أن تتحول أزمة خور عبد الله إلى نقطة انطلاق نحو تصحيح المسار أو تصبح ذريعة لإغراق البلاد في فراغ سياسي جديد حيث لا انتخابات ولا استقرار بل مزيد من الضياع .
او الضحية الدائمة بين لعبة الداخل وخطط الخارج، وبين تاريخ لم تندمل جراحه، ومستقبل لم تتضح معالمه بعد.
