المقالات

بين نظرية العقد الاجتماعي لروسو وأرسطو في مواجهة الطغيان

بقلم /أ م د مهدي على دويغر الكعبي 

بين نظرية العقد الاجتماعي لروسو وأرسطو في مواجهة الطغيان ومابين الفسادوالطغيان في عصرنا مقارنة مع نهج الحسين (ع ) … لماذا فشلت الدبلوماسية ونجحت ثورة الوعي الحسيني؟” حب أهل البيت (ع) بين الفطرة النفسية والتوريث الاجتماعي .

 

بقلم الكاتب والمحلل الاكاديمي

أ م د مهدي على دويغر الكعبي

التدريسي في الجامعة العراقية

 

مقدمة الكاتب … بين الاستلاب السياسي والديني وكيف يُستغل اسم الحسين (ع) لتبرير الفساد؟ ومابين العدالة عند الحسين (ع) وأرسطو وروسو … مقارنة بين الفلسفة الوضعية والوحي الإلهي

في حضرة عاشوراء …الوعي الحسيني بين الإيمان الفطري والتديّن المزيف — قراءة سوسيولوجية-نفسية

المقدمة …

في مثل هذه الأيام يعود الضمير الإنساني إلى لحظة النقاء المطلق إلى كربلاء حيث لم تكن ثورة الحسين عليه السلام مجرّد صراع على سلطة أو ردّ فعل سياسي ضد نظام جائر بل كانت إعلانًا أبديًا لمعادلة الحق والباطل وتجسيدًا واعيًا لعلم الاجتماع الإلهي الذي يُربّي الوجدان ويهذّب الفطرة ويعيد توجيه الإنسان إلى جذر العدل.

حيث تعيد ذكرى عاشوراء إحياءَ الجدل الفلسفي والنفسي حول معنى “الاختيار” في حياة الإنسان فالحسين بن علي (ع) لم يكن مجرد ثائرٍ ضد ظلمٍ عابر بل كان تجسيدًا حيًا لنظرية الوعي الجمعي التي ترفض الخنوع للظالم حتى لو كان الثمن هو الحياة ذاتها هنا نجد أنفسنا أمام سؤالٍ مركزي .. لماذا رفض الحسين (ع) “الدبلوماسية” مع الطغاة رغم أنها كانت قد تُجنِّبه الموت؟ الجواب يكمن في كلمة واحدة …الوحي .

 

الحسين وثورة اللاوعي…

ربما كان باستطاعة الحسين عليه السلام كما يرى بعض السطحيين أن يسلك طريق الدبلوماسية أو يهادن الطغيان مؤقتًا ليحفظ دمه ودماء أهل بيته. لكنه لم يأتِ ليؤسس دولة تقليدية أو يحفظ حياة شخصية لقد اختار الحسين طريقًا آخر طريقًا لا تدركه العقول الخاضعة لمنطق المصالح طريقٌ اسمه “مسار الوعي الإلهي” — وعيٌ يتجاوز الإدراك السياسي إلى رسالة الغيب حيث تكون الإرادة مستمدة من الله والتكليف ليس مردّه العقل البشري بل البصيرة الإيمانية المتصلة بمركز النور النبوي.

 

.

النموذج الحسيني ( أهل البيت ) … نظرية العدل التي تفوقت على “العقد الاجتماعي

(أهل البيت …مدرسة عقد اجتماعي إلهي )

لو طبقنا نظريات الفلاسفة مثل روسو وأرسطو على ثورة الحسين لوجدنا تناقضًا جوهريًا .. فـ”العقد الاجتماعي” لروسو يفترض أن البشر يتنازلون عن جزء من حريتهم مقابل الأمن لكن الحسين (ع) كسر هذه القاعدة لأنه رأى أن “العقد” مع الظالم باطلٌ من الأساس بينما نظرية العدل عند أرسطو تقول إن العدل هو “وسطية” لكن الحسين (ع) علمنا أن العدل قد يكون طرفًا عندما يصبح “الوسط” خيانةً للحق.

وهنا الفارق بين المؤمن الحقيقي والمسلم الشكلي .

– الأول يسير بدافع الوحي (الهداية الإلهية) كما فعل الحسين مستمدًا شرعية قراراته من مدرسة النبي (ص). الذين يستلهمون من عاشوراء قيم المواجهة مع الظلم حتى لو كلفهم ذلك رفض المناصب أو المكاسب.

– الثاني يسير بدافع المصلحة حتى لو تلبس بزيّ الدين أو ادعى حب الحسين . وهم المسلمون الشكليون وهم كُثر يرفعون شعارات الحسين لكنهم في الواقع يمارسون “التقية العكسية” – أي يستخدمون الدين لتبرير خنوعهم للسلطة أو جشعهم الشخصي.

الخطير في الأمر أن الصنف الثاني يُظهر ولاءً ظاهريًا لعاشوراء لكنه – بحسب علم النفس الاجتماعي – يعاني من انفصام القيم فهو ينتمي إلى “جمهور التخلف” الذي يستهلك الطقوس دون وعي بينما نخبته تكرس الفساد تحت شعارات دينية.

لذلك الحسين لم يكن مجرد معارض سياسي بل كان استمرارًا عضويًا لنبوّة محمد صلى الله عليه وآله فكما كان النبي (ص) يُجسّد مقاصد السماء في الأرض جاء الحسين ليُجسّد بدمه الطاهر الرفض الأبدي لتحالف الشيطان مع السلطة.

إذا عدنا إلى نظرية العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو نجد أنه كان يؤمن بأن السيادة يجب أن تنبع من “الإرادة العامة” للشعب لا من الطغاة فالشعب ليس تابعًا بل شريك في القرار أما أرسطو فقد قسّم الحكومات إلى فاسدة وصالحة واعتبر أن العدالة هي روح الدولة وأن الطغيان يولد عندما تُحكم الشعوب بالقوة لا بالقيم.

الحسين كان يُدرك هذا العقد لا بصيغته الدنيوية بل بروحه الإلهية فرفض مبايعة يزيد كان رفضًا لعقد ظالم وتأسيسًا لعقد روحي جديد بين الإنسان وضميره بين الأمة ومستقبلها.

 

الحسين …معيار الإيمان لا الإسلام وهنا الفارق بين المؤمن الحقيقي والمسلم الشكلي .

اليوم وبينما تُقام مجالس العزاء نلحظ مشهدًا مزدوجًا ..

– الأول يسير بدافع الوحي (الهداية الإلهية) كما فعل الحسين مستمدًا شرعية قراراته من مدرسة النبي (ص).

• هناك مؤمنون حقيقيون يعيشون مع الحسين وجدانيًا يستلهمون نهضته في العدل في مواجهة الطغاة في محاربة الفساد ويرون في عاشوراء خارطة طريق للإصلاح الشخصي والمجتمعي.

– الثاني يسير بدافع المصلحة حتى لو تلبس بزيّ الدين أو ادعى حب الحسين

• حيث هناك من يُسمّون مسلمون يرفعون شعار الحسين لكنهم عمليًا يسيرون خلف مصالحهم ويُحرفون عاشوراء إلى مظاهر ومجالسهم إلى أدوات سلطة وخُطبهم إلى شعارات جوفاء هدفها الحفاظ على “الجمهور” لا نشر الوعي.

إنهم يعيشون إسلامًا بلا إيمان طقوسًا بلا عمق ولاءً زائفًا لا يُثمر إلّا تعمية الوعي هؤلاء لا يخشون على الشعب بل على مواقعهم لا يُبكون على الحسين بل على جماهيرهم لا يقرأون الدم بل يستثمرونه.

الحسين كان يُدرك هذا العقد لا بصيغته الدنيوية بل بروحه الإلهية فرفض مبايعة يزيد كان رفضًا لعقد ظالم وتأسيسًا لعقد روحي جديد بين الإنسان وضميره بين الأمة ومستقبلها.

 

الفرق بين التبعية والاتباع وكيف نميز بين “المحب” و”التابع”؟ الفطرة هي الجواب .

القرآن يقول .. ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ .الفطرة السليمة تستطيع أن تميز بين ..

– الحب الفطري (الولاء لله وللعدل).

– الحب المصطنع (الولاء للمصلحة أو الخوف).

لذلك نرى اليوم أن الشعوب بدأت تفرق بين ..

– الخطيب الذي يبكي على الحسين ثم يبرر ظلم الحكام.

– والثائر الذي يرفع صوت الحق كالحسين حتى لو سُجن أو قُتل.

اذن المؤمنون الحسينيون الحقيقيون لا يُتبعون الحسين لأنهم شيعة فقط بل لأنهم يولدون وبداخلهم حبّ عليّ حبٌ فطري متوارث روحيًا متجذر في جينات القلوب ليس من صنع الشعارات بل من نور العقيدة فهؤلاء “أتباع” أما أولئك المتاجرون بالمذهب فهم “تبعيون”، يتبعون المنافع ويتبدلون بتبدّل الريح السياسية.

 

عاشوراء اختبارٌ للضمير قبل أن تكون ذكرى .

عاشوراء ليست مجرد “مأتم” بل هي مقياس نفسي يكشف حقيقة الإنسان .. هل هو من فريق “الوحي والعدل” أم من فريق “المصلحة والتبعية”؟ الحسين (ع) لم يمت لأنه صار نموذجًا سرمديًا لكل حرٍّ يرفض أن يعيش تحت أقدام الطغاة أما من يدعي حبه ثم يخون مبادئه، فهو – بحسب علم النفس – يعيش أزمة هوية لن يحلها إلا رجوعٌ إلى الفطرة النقية التي أرادها الله للإنسان.

عاشوراء ليست موسم بكاء بل موسم فرز وتعرية تفرز من يعيش الإيمان ومن يتاجر به ومن يتبع الحسين ومن يستخدمه كواجهة ففي زمن بات فيه التدين سلعة لا بد أن نُعيد للناس المعنى … الحسين لم يمت من أجل أن تُنصب الخيم وتُقرأ القصائد بل ثار ليعيد الوعي للأمة.

في النهاية …

لعل أعظم درس من كربلاء أن الحسين عليه السلام انتصر رغم استشهاده وهزم أمة رغم قلة أنصاره لأن الانتصار الحقيقي لا يُقاس بعدد ولا عَدد، بل بعمق الرسالة وصفاء النيّة وكما قال الإمام… “إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.”

فهل نصلح أنفسنا أم نظل نُقيم مجالس لا تصلح إلا لتخدير الضمير؟

الحسين لا يزال يُنادي… “هل من ناصرٍ ينصرني؟” و”النصرة” اليوم… ليست بالسيف بل بإحياء الوعي الحسيني الأصيل.

 

إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني – الإمام الحسين (ع )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار