
الصرخة التي لم تُسمع… والموت تحت قبة المسجد
اغتيال الشيخ القرغولي يفتح الباب أمام مواجهة “التطرف الناعم”
بقلم … أ.م.د مهدي علي دويغر الكعبي
الثلاثاء ١٦ أيلول ٢٠٢٥ .
خبراء أمنيون يحذرون… تيارات متشددة تتخفى بغطاء “الطاعة” أخطر من داعش!
المساجد في دائرة الاستهداف… أين دور القنوات الدينية والإعلامية؟
اللعبة الكبرى … من المستفيد من إعادة إنتاج الفكر المتشدد داخل بيوت الله؟
المقدمة …
العاصفة تعود من جديد ولكن بثوب مختلف وأسماء جديدة في وقت تنشغل فيه القوى السياسية بمعركة صناديق الاقتراع يطلّ علينا خطر قديم بوجه جديد هذه المرة ليس عبر السلاح والدمار بل من خلال خطب ومظاهر دينية تحمل في ظاهرها الدعوة للإصلاح لكنها تخفي وراءها بذور الفكر المتشدد
رحيل الشيخ عبد الستار القرغولي الذي سقط ضحية اعتداء غادر داخل مسجده كشف أن التطرف لم ينتهِ بانتهاء داعش عسكرياً إنه يعود اليوم بطرق أكثر نعومة وخفاء يحاول اختراق المجتمع عبر المساجد والخطاب الديني الهادئ ليعيد إنتاج ذات النتائج التي خلّفها الإرهاب الصريح.
داعش بثوب جديد .
تجارب العراق علمتنا أن التطرف لا يموت بل يغير أشكاله تبعاً للظروف فبعد هزيمة داعش عسكرياً ظن البعض أن صفحة الإرهاب قد طويت لكن “البذرة” بقيت حيّة تنتظر المناخ المناسب التيارات الجديدة تقدم نفسها على أنها “حركات دعوية” ترفع شعار الطاعة لكنها عملياً تمارس الإقصاء والتكفير الناعم وتفتح الباب أمام اختراق المؤسسات الدينية والمجتمعية وهو خطر أخطر من السلاح، لأنه يسعى إلى إعادة تشكيل العقول من الداخل.
استهداف النسيج المجتمعي .
حادثة الشيخ القرغولي لم تكن خلافاً عابراً داخل مسجد بل مؤشر على محاولة تفتيت الصفوف من الداخل مثل هذه التيارات ترفع شعارات ظاهرها الالتزام لكنها في حقيقتها تزرع بذور الشك والانقسام ما يخلق فراغاً تستثمره قوى خارجية وإقليمية. ولعل تزامن عودتها مع فترة الانتخابات يكشف عن ارتباطها بلحظة سياسية حساسة.
من الفتنة الطائفية إلى الوباء المجتمعي .
الخطر هنا لا يقتصر على طائفة دون أخرى بل يهدد السلم المجتمعي برمته لأن هذه الأفكار لا تفرّق بين أبناء الوطن الواحد بل تسعى إلى فرض وصاية فكرية وعقدية تؤسس لصراعات داخلية قد تكون أشد فتكاً من أي حرب تقليدية.
الدور السياسي الملتبس .
قرار مستشارية الأمن القومي بتصنيف هذه الحركة كتهديد للسلم الأهلي كان خطوة في الاتجاه الصحيح لكن التراجع عنه بضغط سياسي فتح الباب أمام تمددها مجدداً وأرسل رسالة خاطئة مفادها أن السياسة قد تتغاضى عن التطرف إذا كان يخدم مصالح انتخابية أو توازنات مرحلية.
واجب الإعلام …لا حياد مع الخطر .
على الإعلام الوطني الحر أن يتوقف عن المساواة الزائفة بين الضحية والجلاد وأن يرفع صوت الحق بلا مساومة من يلاعب هذه النار بأحاديث «الحرية» هو من يغذيها واجب الصحافة أن تكون مرآةً وتكشف شبكة التواطؤ والتمويل السياسي والديني
مخاطر المستقبل .
• هذه التيارات أخطر من داعش لأنها تعمل بهدوء على إعادة تشكيل وعي الشباب.
• تستغل الإعلام ومنصات التواصل لنشر خطابها.
• إذا لم تتم محاصرتها فكرياً وقانونياً فقد تتحول خلال سنوات قليلة إلى القوة الأكثر تأثيراً داخل بعض البيئات الدينية.
الحاجة إلى الحكمة الوطنية .
المقدمة ….
كما أسهمت الحكمة في السابق بوأد الفتن ومنع انزلاق العراق نحو الهاوية فإن الحاجة اليوم مضاعفة إلى ذات الروح ولكن أيضاً إلى إرادة سياسية وطنية حقيقية المطلوب موقف واضح لا يخضع لحسابات انتخابية ضيقة ولا يسمح لأي تيار متشدد أن يختطف الخطاب الديني ويحوّله إلى أداة صراع.
الخلاصة .
اغتيال الشيخ القرغولي كشف أن الإرهاب لم ينتهِ بل عاد بوجه ناعم متخفي خلف شعارات الطاعة والدعوة إنه مشروع لإعادة إنتاج الفتنة بأسلوب جديد أكثر خطورة لأنه يتسلل إلى المساجد والعقول بدلاً من ساحات القتال وما لم يُواجه بجدية ومسؤولية وطنية فإن العراق قد يجد نفسه أمام جولة جديدة من التمزق الداخلي أخطر من
كل ما سبق.
إما أن نتحد دفاعًا عن الحرّيات الدينية والضمير الوطني أو نسمح لنسخةٍ جديدة من التطرف أن تمحو آخر ما تبقى من المناعة المجتمعية. استشهاد الشيخ القرغولي هو دعوة للاستيقاظ من لم يقف اليوم مع الضمانات المدنية فسيندم غدًا عندما تكون الفتنة بلا منازع.
هذا الوقت ليس وقت التردد السياسي ولا التقاط الأنفاس الانتخابية الوقت وقت قرار تحرّك مدني صحفي قانوني ومرجعي لقطع دابر المدخليةوأشباهها قبل أن تُغيّر وجه العراق للأبد

