السياسيةالمقالات

الناخب العراقي بين مطرقة الوعود وسندان الفساد .. صوتك أمانة.. أم مقاطعتك ضمير؟ حيرة المواطن أمام مفترق انتخابات ٢٠٢٥ .

بقلم: أ.م.د. مهدي علي دويغر الكعبي

الناخب العراقي بين مطرقة الوعود وسندان الفساد .. صوتك أمانة.. أم مقاطعتك ضمير؟ حيرة المواطن أمام مفترق انتخابات ٢٠٢٥ .

 

بقلم: أ.م.د. مهدي علي دويغر الكعبي

السبت : ٢٠ أيلول ٢٠٢٥

رأي وتحليل

الوطن ساحة.. والمواطن جندي … حكاية الانتخابات بين المشاركة والمقاطعة ومابين وعي الناخب وحلم الوطن

الانتخابات ليست مجرد أوراق تُلقى في صناديق بلا قاع وليست صوراً ووعوداً تُزين الشوارع بل هي قرار وطني تاريخي يحدد ملامح السنوات الأربع المقبلة. المشاركة ليست خيانة كما أن المقاطعة ليست تآمراً فكلا الخيارين ينطلقان من إرادة وطنية صادقة لكن الاختلاف يكمن في الطريق إلى التغيير.

إنها معركة وعي قبل أن تكون معركة أصوات معركة بين ثقافة المواطنة وثقافة المصلحة بين ديمقراطية حقيقية وأخرى مزيفة وهنا يقف الناخب العراقي أمام لحظة فارقة هل يصنع التغيير بنفسه أم يترك غيره يقرر مصير وطن بأكمله؟

 

المقدمة …

ها نحن على أعتاب انتخابات ٢٠٢٥، حيث بلغ عدد المرشحين المسجلين لخوض انتخابات مجلس النواب العراقي ٧٠٠٠ مرشح، بينهم ٥٤٥٣ من الذكور (بنسبة ٧٤%) و١٥٤٧ من الإناث (بنسبة ٢٦%)، في مشهد سياسي يعكس تعددية هائلة، لكنه يكشف في الوقت نفسه حجم التشظي والانقسام الذي يعيشه العراق. في هذا الزحام الانتخابي، يقف المواطن بين خيارين كبيرين المشاركة أو المقاطعة وكلاهما يرفعهما أصحابهما على أنهما الطريق الأصدق لخدمة الوطن.

من يشارك يرى أن التغيير لا يأتي إلا من داخل صندوق الاقتراع وأن الصوت الواحد قد يزيح مسؤولاً فاسداً جثم على صدور الناس لسنوات فيما يرى المقاطع أن غياب العدالة في القانون الانتخابي واستمرار هيمنة الأحزاب وفسادها وسيطرة المحاصصة الطائفية تجعل المشاركة ضرباً من شرعنة الفساد لا أكثر وبين الموقفين تبقى الحقيقة أن كليهما –المشارك والمقاطع– يتحرك بدافع وطني لكن برؤية مختلفة.

إن الوعي السياسي هو جوهر أي عملية انتخابية نزيهة ولا يمكن تأسيس ديمقراطية حقيقية من دون ثقافة انتخابية متجذرة تبدأ من المدرسة والمنهج ولا تنحصر في موسم الدعاية الانتخابية. فالممارسات الخاطئة مثل التصويت على أساس العِرق أو الطائفة أو العائلة أو المصلحة الشخصية تحوّل الديمقراطية إلى أداة رجعية وتبني أجيالاً تقبل بالخطأ باعتباره سلوكاً طبيعياً.

الانتخابات في العراق كثيراً ما تحولت إلى مسرحية سياسية وجوه تتغير شعارات تتبدل لكن الأوضاع تبقى كما هي لأن أزمة العراق ليست أزمة صناديق بقدر ما هي أزمة ثقافة وتاريخ ودين هذه الثلاثية ما زالت تحكم وعي الفرد العراقي فتجعلُه أحياناً أسير الماضي أو سجين الولاءات الضيقة.

ولعل أخطر ما تواجهه انتخابات ٢٠٢٥ هو التسقيط السياسي الذي بلغ ذروته حتى طال العائلات والسب والشتم الذي يفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، إضافة إلى شراء الأصوات وتمويل الحملات من قبل أصحاب النفوذ وتمرير المعاملات مقابل الولاء الانتخابي واستغلال الإعلام ومواقع التواصل لتضليل الناخبين هذه كلها ليست مجرد مخالفات بل جرائم بحق الديمقراطية لأنها تسرق إرادة الناس وتحوّل الصوت الانتخابي إلى سلعة إن صح التعبير.

المقاطعة بدورها ليست خيانة كما يروج البعض بل قد تكون موقفاً سياسياً واعياً وصوتاً احتجاجياً يرفض استمرار اللعبة بقوانينها الحالية فهي حضور بالرفض وليست غياباً عن الساحة أما المشاركة فهي أيضاً ليست طاعة للفساد بل إيمان بأن التغيير يبدأ من الورقة الانتخابية.

إن ما نحتاجه اليوم ليس سجالاً بين “المشارك” و”المقاطع” بل توحيد البوصلة الوطنية فكلاهما يريد الخير للعراق وكلاهما يتألم من فساد نخر الدولة وكلاهما يحلم بمستقبل لا يُختزل في أربعة أعوام من وعود لم تتحقق المطلوب هو الاتفاق على قاعدة مشتركة أن العراق فوق الجميع وأن الوطنية ليست شعاراً انتخابياً بل ممارسة يومية تبدأ من نزاهة المواطن قبل نزاهة المرشح.

 

في النهاية…

الانتخابات ليست مجرد ورقة في صندوق ولا هي يوم عابر في روزنامة السياسة العراقية، بل هي قرار مصيري يحدد شكل السنوات القادمة فإذا ظل العراقيون أسرى الماضي والمذهبية والعشائرية، فلن يتغير شيء أما إذا ارتقى وعي الناخب إلى مستوى الوطن فحينها فقط ستصبح الانتخابات أداة لبناء الدولة لا مجرد مسرحية تُعاد كل أربع سنوات.

لذلك فإن الانتخابات العراقية لعام ٢٠٢٥ ليست مجرد محطة سياسية عابرة بل هي امتحان وطني للوعي والضمير الجمعي ففي صندوق الاقتراع تختبر نزاهة الاختيار وفي صمت المقاطعة يتجلى احتجاج واعٍ على واقع مأزوم وبين هذا وذاك تبقى الوطنية هي القاسم المشترك والنية الصافية لخدمة العراق هي الجامع الذي لا يجب أن يفرّق بين أبناء الوطن.

لقد آن الأوان لأن يدرك الناخب أن صوته أمانة وأن امتناعه موقف وكلاهما قرار تاريخي لا يقل وزناً عن الآخر لكن ما بين المشاركة والامتناع تظل ثقافة المواطنة والوعي السياسي هما السلاح الحقيقي في معركة الإصلاح.

فمن يختار اليوم لا يقرر فقط عن نفسه بل عن مستقبل أمة كاملة وهنا يبرز السؤال الأكبر هل نمنح الديمقراطية فرصة لتكون جسراً نحو التغيير أم نتركها قيد شعارات خاوية؟

الجواب سيكتبه العراقيون بأصواتهم… أو بصمتهم. بصفتك

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار