المقالات

من محافظ إلى ممثل تراجيدي.. مسرحية بين الوهم والحقيقة!

بقلم: أ.م د. مهدي علي دويغر الكعبي

من محافظ إلى ممثل تراجيدي.. مسرحية بين الوهم والحقيقة!

العراق ليس ساحةً للخونة.. ولا دفاعًا عن السوداني بل موقفًا ضد مهزلة “المقارنات المشبوهة”!

فإلى متى ستستمر مهزلة “أنا صديق ترامب”؟

 

بقلم: أ.م د. مهدي علي دويغر الكعبي

الخميس ٢٥ أيلول ٢٠٢٥

رأي وتحليل

 

رحلة الوهم إلى واشنطن…

 

ها هو الغراب يحاول مرةً أخرى تقليد وقائع النسر وها هو صوت الذباب يعلو محاولاً تشويه سمفونية الشرفاء. إنه ليس مجرد تصريح عابر بل هو طعنةٌ نجلاء في خاصرة العراق يصدر عن رجل لم يعد يخجل من إعلان خدمته لأسياده الجدد إنه عضو البرلمان السابق الذي يحلم بعودة الزمن إلى الوراء فيتصور نفسه في عروض واشنطن فارساً يأتي على صهوة الدولارات وكأن البيت الأبيض قد أصبح حديقة منزله الخلفي وترامب مجرد جارٍ له في الحي!

 

المقدمة…

 

عاد إلى المشهد السياسي العراقي رجلٌ يعرفه الشارع جيداً – عضو مجلس النواب السابق – حاملاً معه ما يزعم أنه رسالة من واشنطن لكنه في الحقيقة لم يحمل سوى لغةٍ هجوميةٍ تفوح منها رائحة الترويج الخارجي والتصفيق لمنصات خصوم العراق إن زيارة الخارج ليست محرمةً في زمن العولمة فالحكومات والشخصيات تقف على المنصات الدولية لعرض رؤاها والدفاع عن مصالح بلادها لكن ما وقع من ذلك السياسي في لقاءاته وتصريحاته أبعد ما يكون عن الدفاع عن مصلحة الوطن إذ تحولت زيارته إلى هجومٍ مبطّن على رموز العملية السياسية ومحاولةٍ فجة لتقزيم دور السيد رئيس الوزراء ومقارنته بأبشع التوصيفات.

 

إن المقارنة التي أجراها هذا الرجل بين رئيس وزراء العراق وبين رموز الإرهاب ليست سقطةً لغوية فحسب بل هي جريمة أخلاقية وسياسية فكيف يُساوى بين من قضى عمره في خدمة العراق وبين من قضى عمره في قتل العراقيين؟ إنها معادلة لا يصنعها إلا من فقد بوصلته الأخلاقية تماماً.

 

لقد كشف هذا الحالم بكرسي رئاسة الوزراء عن حقيقته عندما اختار الذهاب إلى واشنطن ليشكو من حكومة بلاده، وكأن أمريكا أصبحت محكمةً دوليةً لقضايا العراق. والأكثر إدانةً أنه يتحدث بلغة التهديد بالعقوبات وكأنه أصبح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخزانة الأمريكية لا باسم الشعب العراقي.

 

نقف أولاً عند اللغة…

 

إن التشبيه بين من يقود مؤسسات الدولة وبين من يُصنَّف إرهابياً أو قاتل أطفالٍ هو أسلوبٌ رخيص يهدف إلى تشويه صورة من يمثل الدولة والشرعية إن الشعب العراقي الذي ذاق مرارة الحروب والاحتلال لا يقبل أن تُسوَّى مواقفه الوطنية بمفرداتٍ تحطم كل معايير الخلاف الحضاري القائم على النقد البناء والحوار الهادف فالنقد مشروع، لكن التشويه والتطبيل لمصالح خارجية هو خيانة من نوعٍ آخر – خيانة أخلاقية وسياسية.

 

ثانيًا…

 

ثمة سؤال مشروع يفرض نفسه: لمن تُوجَّه هذه التصريحات؟ هل للشعب العراقي الذي يتوق إلى الاستقرار والعيش الكريم أم للدوائر التي تسعى لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة؟ عندما يهاجم أحد أبناء البلد قيادته أمام أجنبي ويضع مصالح وطنه في مرمى مزايدات إعلامية تمولها جهات لا ترى في العراق سوى ساحةٍ لصراعاتها فإن الأمر يصبح أكثر من مجرد رأي إنه يصبح جزءاً من لعبة خطيرة تُسيء إلى الوطن قبل أن تُسيء إلى الأشخاص.

 

ثالثًا…

 

لا يمكن فصل هذا الخطاب عن سلوكٍ سياسي طويل لبعض المنصات والشخصيات التي باتت مصالحها تتقاطع مع أعداء الوطن أو مع أطرافٍ لا تخفي رغبتها في استثمار الضعف العراقي لتأمين مكاسب إقليمية. الشعب العراقي لم يعد ساذجاً ولم يعد يقبل أن تُصاغ مواقفه عبر صفقات ومشروعات تبتلع سيادة القرار الوطني من هنا ينبع الغضب المشروع من سلوكٍ يلهث وراء الأموال المصرفية والصفقات المشبوهة ويتبنى مواقفَ يبدو أنها مدفوعة الثمن من الخارج.

 

ورابعًا…

 

علينا ألا نُسقط حقيقتين مهمتين ..

الأولى.. أن حب الوطن ليس شعاراً يُرفع بل هو فعلٌ يومي يتجسد في الدفاع عن مؤسسات الدولة وعدم التفريط بسيادتها.

والثانية .. أن الخلاف السياسي يجب أن يظل داخل إطارٍ يحترم قواعد الوطنية فالنقد البناء واجب والتشويه المدفوع مرفوض من يختار الشهرة على حساب وطنه أو الدولار على حساب الكرامة قد يكسب منابر إعلامية لحظة لكنه يخسر ثقة الناس وضمائرهم إلى الأبد.

 

إن من يحمِّل قيادةً وطنية مسؤولية عزلة العراق في المحافل الدولية دون أن يقدم بدائل عملية أو رؤية واقعية يُساءل عن مقاصده الحقيقية فانفتاح العراق على العالم يحتاج إلى سياساتٍ واقعية تحمي مصالحه الاقتصادية والسيادية لا إلى تصريحاتٍ تزيد من عزلته وتغذي الروايات التي تضع البلاد في قفص الاتهام كأداة تابعة والحديث عن ملفات حساسة كالنفط والبنك المركزي يجب أن يكون موضوعياً وموثقاً لا أداةً للتشويش أو لتسويق فكرة أن انهيار الدولة خيارٌ مقبول!

 

في النهاية …

 

الوطن أكبر من أن يكون مسرحاً للعب الذين يصعدون على منابر الخارج ليطلقوا أحكاماً تشبه مقولاتٍ جاهزة تُقرأ من نصوصٍ أجنبية. إن محبة الوطن لا تُقاس بالشعارات بل بالأفعال التي تحميه من كل من يريد تحويله إلى ملعبٍ لمصالحه. ومن يظن أن نقده القاسي أمام فضائيات الخارج سيعيد إليه مكانته السياسية، فهو واهم. فالشعب يعرف من ضحى، ومن باع، ومن خدم، ومن استُخدم.

 

لذلك نقولها بصراحة.. إذا كنت مع العراق فالنقد يبني وإذا كنت مع أجندات أجنبية ودولاراتٍ ملوّنة فابتعد عن شرف الدفاع عن الوطن فالوطن عظيم وروحه تأبى أن تُباع بكلماتٍ مسروقة أو تصريحاتٍ تروّج لنظرةٍ استعلائية تقتل الأمل في غدٍ أفضل.

 

الوطن ليس فكرةً للتغنّي بها فحسب ولا ساحةً للمزايدات. إنه ذاكرةٌ ومصيرٌ وانتماء. من خان الوطن، فقد خان كل ما فيه من رموز إنسانية – الأم، الأب، الحبيب، الصديق، الجار. وما لم نُحكّم ضوابط العدالة ولغة المساءلة، سيظل السؤال قائماً: من باع الوطن؟ قد لا نعرف اسم البائع دوماً، لكننا نرى دوماً من يدفع الثمن.

 

فلنعمل جميعاً – مفكرين، وسياسيين، ومواطنين – على ألا يصبح الوطن سلعةً تُشترى وتُباع. لنصنع وطناً تُسجَّل فيه التضحيات ولا تُنسى، وطناً تُحترم فيه القوانين وتُردع فيه الخيانة، وطناً يحمينا فنُحميه.

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار