المقالات

المقاطعة صمتٌ يصرخ… والمشاركة صوتٌ ينتصر الاختيار الأصعب: إصلاحٌ من الداخل أم رفضٌ من الخارج؟ 

بقلم: أ.م.د. مهدي علي دويغر الكعبي

صناعة الوعي بين فأس المقاطعة وسيف المشاركة

 

المقاطعة صمتٌ يصرخ… والمشاركة صوتٌ ينتصر

الاختيار الأصعب: إصلاحٌ من الداخل أم رفضٌ من الخارج؟

 

بقلم: أ.م.د. مهدي علي دويغر الكعبي

الجمعة ٣ تشرين الأول ٢٠٢٦

رأي وتحليل

صناعة الوعي في زمن الأزمات وكيف يصنع الأكاديمي الوعي؟ قراءة في جدوى سياسات المقاطعة وفعالية المشاركة

 

المقدمة …

 

يقف العراق اليوم على تخوم لحظة فارقة حيث يتكشف المشهد السياسي كصفحة جديدة في سفر التاريخ بعد أعوامٍ مثقلة بالترقب ومحاولات الإصلاح القضائي والرقابي لم يعد الحديث عن النزاهة مجرّد شعارٍ للاستهلاك العام بل ممارسة حيّة أطاحت برؤوسٍ طالما حسبت نفسها فوق الحساب هنا تهاوت أسماء لها ثقلها تحت وطأة ملفات “مخلة بالشرف” وممارسات تناقض روح الديمقراطية لقد كان القضاء وهيئات الرقابة سداً منيعًا شقّ الطريق نحو منافسة أكثر نقاء تبدأ من منصة العدالة لا من وحل الفساد.

وفي هذا المفصل التاريخي ينهض دور الأكاديمي العراقي لا بوصفه متفرجًا بل باعتباره الضمير الناقد والعقل الحارس لوعي الأمة. إنه المكلّف بحمل مشعل الفكر وتفكيك خطابات الدعاية المضللة وبناء وعيٍ جمعي قادر على تمييز الحق من الباطل إن مسؤوليته ليست محاضرة عابرة ولا نقاشًا أكاديميًا محصورًا في القاعات بل هي صناعة وعي وطني يقود الناخب إلى الاختيار الرشيد بعيدًا عن سطوة المال والوعود الكاذبة

ويعدّ العقل الناقد والضمير الحي للأمة بمقداره أن يكون منارة تهدي السفينة إلى بر الأمان من خلال نقاشاته العلمية الرصينة ومحاضراته التوعوية التي تنير العقول وتصحح المسارات إن دوره يتجلى في تفكيك خطاب الدعاية المضللة وترشيد الخيار الانتخابي وبناء وعي جمعي قادر على التمييز بين الغث والسمين مما يجعله ركيزة أساسية في صياغة مستقبل العراق عبر صناعة وعي ناخب واعٍ مسلحٍ بمعيار الوطنية الخالصة والمصلحة العليا للبلاد

وفي هذا الموقف الفاصل يقف العراقي أمام ثنائية وجودية خياران كلاهما سلاح:

• المشاركة .. وهي السيف المشروع وصوتٌ يعلو على الضجيج وورقةٌ تتحول إلى حكمٍ قاطع في جسد الفساد وبوصلة ترسم خريطة وطن يليق بتضحيات أبنائه ليست مجرد فعلٍ روتيني في صندوق اقتراع بل قرارٌ تاريخي .. إسقاطٌ لوجوهٍ استهانت بالكرامة وترميمٌ لما تهدّم من أركان الدولة.

• المقاطعة .. وهي الفأس التي يلوّح بها الرافضون صمتٌ يهدر في وجوه المتغطرسين ورفضٌ لا يستكين أمام “مسرحية مصطنعة” ليست انسحابًا بل دخولٌ إلى المعركة من بابها الأوسع باب الكرامة والوعي الجمعي رسالة تقول إن الأمة لا تُختزل في أسماء وأن الوطن أكبر من كل الصفحات الدعائية والملصقات الملوّنة.

 

مفترق الطريق…

 

لقد أعلنت المفوضية العليا للانتخابات رسميًا بدء الحملات الانتخابية في الثالث من أكتوبر إيذانًا بانطلاق السباق نحو البرلمان المقبل في الحادي عشر من نوفمبر ومع هذا الإعلان وُضعت قواعد صارمة وجرت معاقبة المخالفين حتى وإن كانوا من الأسماء الثقيلة في المشهد السياسي القانون فوق الجميع وهذه المرة بدا أن لا حصانة للفاسدين ولا غطاء للمستهترين.

 

الصور تملأ الشوارع والفضاء الإلكتروني يضج بالدعاية المبكرة لكن المفوضية كانت بالمرصاد تشكّل لجانًا مركزية وفرعية في كل المحافظات تراقب وتغرم وتعاقب إنها ليست مجرد دعاية انتخابية بل معركة نزاهة ضد الفوضى معركة القانون ضد الالتفاف والخداع.

 

الأدهى أن بعض المرشحين حاولوا الاحتماء بالرموز الدينية والشعبية فوُضعت صور المرجع الأعلى السيد علي السيستاني إلى جانب صور سياسيين في تجاوز فجّ دفع مكتب المرجعية إلى بيان صارم يحظر استغلال الدين في لعبة السلطة هنا يتجلى الوعي العراقي .. وعيٌ يرفض الاتجار بالمقدسات في سوق السياسة.

 

الامتحان الوطني…

 

هذه المرحلة ليست سباق صور ولا شعارات بل امتحان وطني بامتياز امتحان يواجه فيه الناخب العراقي نفسه أولاً ليقرر بوعي لا بعاطفة وبمسؤولية لا بانجرار خلف الدعاية.

 

لقد صادقت المفوضية على أكثر من 31 تحالفًا و38 حزبًا و75 قائمة منفردة وضبطت أدوات الرقابة عبر ثلاث جبهات الميدان الإعلام والفضاء الإلكتروني بذلك لم يعد للشعارات الكاذبة متسعٌ أن تمر بلا حساب ولا للأموال السوداء أن تخترق وعي الناخب بسهولة.

 

الجميع اليوم أمام مسؤولية مضاعفة:

• المفوضية مطالبة بالثبات والصرامة.

• الإعلام مطالب بكشف الخفايا وتنوير الرأي العام.

• الناخب مدعو إلى أن يكون الضمير الحيّ الذي يميز الغث من السمين.

 

في النهاية …

 

إنها لحظة لا تُجرَّب مرتين العراق اليوم يقف على حافة منعطفٍ حاسم إما أن يولد برلمان يليق بتاريخ التضحيات أو تُفتح أبواب جديدة لليأس والانكسار. الانتخابات المقبلة ليست مجرد مقاعد برلمانية بل معركة مصيرية على روح الدولة العراقية ومصيرها.

 

فلنجعل من 11 تشرين الثاني موعدًا يكتبه التاريخ بحروف من نور: يومًا قال فيه العراقيون كلمتهم بصوتٍ واحد ضد الفساد وضد المتاجرة بالدين وضد العبث بالمصير يومًا انتصر فيه العراق لديمقراطيته الحقيقية وأثبت أن الوعي هو السلاح الأمضى في وجه كل عابث.

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار