العبودي… الوزيرُ الذي جعلَ من التعليمِ العالي مشروعَ وطن بقلم: أ.م.د مهدي علي دويغر الكعبي

رموزُ السيادة لا تُنالُ بمنشورٍ رقميٍّ… بل تُكرَّسُ بالتاريخِ والعمل
العبودي… الوزيرُ الذي جعلَ من التعليمِ العالي مشروعَ وطن بقلم: أ.م.د مهدي علي دويغر الكعبي
الأربعاء ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
رأي وتحليل
تمهيدٌ في مفهوم السيادة ورمزيّة النهضة
يشكّل مفهوم السيادة الوطنية في الفكر السياسي والاجتماعي الحديث أحد أعمدة الدولة الحديثة وركائزها الجوهرية إذ لا يُقاس وجودُ الدول بحدودها الجغرافية بقدر ما يُقاس بقدرتها على صون رموزها الفكرية والعلمية وحماية هويتها المعرفية من التآكل والاختراق.
ومن هذا المنطلق تكتسب تجربةُ معالي الدكتور نعيم العبودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أهميةً استثنائيةً إذ قدّم نموذجًا لقيادةٍ جمعت بين الرؤية الأكاديمية والممارسة الإدارية الواعية، فحوّل الوزارة من إطارٍ بيروقراطيٍّ جامد إلى مشروعٍ وطنيٍّ تنمويٍّ متكامل، يرتقي بالعلم إلى مرتبة السيادة، ويجعل من المعرفةِ ركيزةً لبناء الوطن.
العبودي… صرحُ العلمِ الشامخ وسفيرُ السيادة التعليمية
في زمنٍ تشتدُّ فيه رياحُ التشكيك وتُغرقُ المنصّاتُ الرقميةُ الفضاءَ بضجيجِ الإساءة والتضليل، ينهضُ من عمقِ العراق رجالٌ آمنوا أن العلمَ وطنٌ، والطلبةَ أبناءُ الوطن، والإنسانيةَ منهجُ عملٍ لا شعار.
وفي طليعةِ هؤلاء يقف الوزير الدكتور نعيم العبودي، لا كصاحبِ منصبٍ إداريٍّ فحسب، بل كقائدٍ في معركة الوعي والبناء، جعل من وزارة التعليم العالي حاضنةً للعلم، ومن قاعاتها معابدَ للفكر، ومن الطلبة أبناءً للوطن الكبير.
وما نيلُ المطالبِ بالتمنّي
ولكن تُؤخذُ الدنيا غِلابا.
صرحٌ يُشادُ وعطاءٌ لا يُحجب .
لم يكتفِ العبودي بالإدارة من وراء المكاتب بل جعل من الميدان رهانَه الأول.
استمع إلى صوت الطلبة وتبنّى هموم الأساتذة وأرسى رؤيةً تربط الجامعة بالمجتمع ربطًا عضويًا يجعلها منارةً للتنمية لا جزيرةً معزولة عن الواقع.
لقد جسّد السيادة التعليمية في مختبرات البحث العلمي، وفي نهضة الجامعات وفي حضور العراق الأكاديمي على الساحة الدولية حتى أصبحت إنجازاته حجّةَ الفعل على زيف القول ودليلًا على أن السيادة لا تُورّث بل تُكتسبُ بالعطاء.
أصواتٌ نشازٌ وحقائقٌ تعلو .
ومع كل نهضةٍ صادقةٍ، يطلُّ في المقابل صدى الأصوات النشاز التي تتغذّى على التشويه والإساءة.
يظنّ أصحابها أن بإمكانهم عبر منشوراتٍ باردةٍ أن ينالوا من قاماتٍ وطنيةٍ راسخة. غير أنّهم يجهلون أن الرمز الأصيل يُصنعُ في ميدانِ العمل، لا في دهاليز التقنية، ويُكرَّسُ في ضميرِ الأمة، لا في فضاءات الوهم.
فالتاريخ لا يحفظُ صدى الكلمات بل يسجّلُ أثر الرجال الذين يصنعون الفارق بالفعل لا بالقول.
الوزير بين الوظيفة والمشروع الوطني .
لم يتعامل الدكتور العبودي مع موقعه الوزاري بوصفه موقعًا إداريًا مؤقتًا بل رآه منبرًا حضاريًا ومسؤوليةً وطنيةً وأخلاقية.
انطلقت رؤيته من يقينٍ راسخٍ بأنّ العلمَ هو مشروعُ السيادة الوطنيّة الحقيقي وأن التعليم العالي هو المعمل الذي يُعادُ فيه تشكيل الإنسان العراقيّ الجديد القادر على قيادة التنمية وصون الاستقرار.
لقد انعكست هذه الفلسفة في مبادراتٍ رائدةٍ أعادت صياغة العلاقة بين الوزارة والمجتمع، فغدت الجامعةُ مركز إشعاعٍ ثقافيٍّ وإنسانيٍّ وتحوّل الطالب من “متلقٍ” إلى “شريكٍ” في صناعة القرار ليصبح التعليمُ العالي منظومةً تفاعليةً حيّةً تُسهم في بناء الوطن لا في تخريج العقول فحسب.
العبودي ورمزية السيادة العلمية .
تميّزت شخصية الدكتور العبودي بقدرته على الجمع بين الخطاب الوطني والإنجاز المؤسسي، فترجمَ السيادة من شعارٍ إلى ممارسة ومن فكرةٍ إلى بنيةٍ واقعيةٍ تُخدم الإنسان.
لقد عزّز البنى التحتية للجامعات وأطلق برامجَ بحثٍ علميٍّ متقدمة وانفتح على المؤسسات الأكاديمية الدولية دون أن يُفرّط بهويته الوطنية أو يُذيب العراق في تبعيةٍ معرفيةٍ للآخر.
إذا أنت أكرمت الكريمَ ملكتهُ
وإنْ أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرّدَا.
هكذا كان العبودي يواجه التشويه بالعمل ويقابل الجحود بالكرم مؤمنًا أن القيمَ السامية لا تفهمها النفوس الصغيرة وأن استهداف الرموز المخلصة ليس إلا انعكاسًا لعجزٍ أخلاقيٍّ في نفوسٍ مأزومة.
الإعلام الرقمي وصناعة التشويه .
مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية تتكثّف الحملات الرقمية الممنهجة التي تسعى للنيل من الرموز الوطنية، محاولةً تقزيم المنجز وتشويه الصورة.
إنّها حربُ “اللا أخلاق الرقمية” حيث يُستبدل الحوار بالتشهير والنقد بالبذاءة والحقيقة بالإيحاءات الزائفة.
لكنّ شخصية العبودي المتماسكة ورصيده الأكاديمي والشعبي حطّمت تلك الحملات على صخرة الحقيقة.
فالرموزُ الأصيلةُ لا تُقاسُ بعدد المتابعين، بل بمقدارِ أثرهم في الوعي الجمعيّ للأمة، وهو ما وعاه العراقيون ووعته الجامعات والمؤسسات العلمية.
القيادة بالفعل لا بالخطاب .
أثبتت التجربة الوزارية للدكتور العبودي أنّ القيادة ليست في الوعود بل في المواقف وأنّ السيادة لا تُعلن بل تُمارس.
كان العملُ عنده هو اللغةَ الوطنية الأصدق والميدانُ هو البرهانَ الأقوى فاستحق أن يكون من أهل العزم الذين تُقاس بهم الأمم.
على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ
وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ.
في النهاية.. الدفاع عن الرموز… دفاعٌ عن الدولة
إنّ الدفاع عن الرموز الوطنية الصادقة – وفي طليعتهم الدكتور نعيم العبودي – ليس موقفًا شخصيًا، بل واجبٌ وطنيٌّ وأخلاقيّ، لأنّ استهدافهم هو في جوهره استهدافٌ لفكرة الدولة ذاتها.
فالرجال الذين يصنعون من مواقعهم جسورًا للنهضة لا تُنصفهم المنشورات، بل يوثّقهم التاريخُ بمدادِ الوفاء.
إنّ معركة الوعي اليوم ليست معركة أصواتٍ انتخابية بل معركة هويةٍ وطنيةٍ في وجه العدمية الرقمية معركة بين من يبني وبين من يهدم بين من يعمل بصمتٍ وبين من يثرثر في الظل.
ولذلك نقول …
الدفاع عن العبودي هو دفاعٌ عن كرامة العراق وصونٌ لسيادته وحفاظٌ على مستقبل أجياله.
فلنكن جميعًا يَدًا واحدةً وقلبًا واحدًا نرفع راية العلم والسيادة ونسير على درب العلماء والمصلحين.
وسيبقى العلمُ عنوانَ السيادة، والوطنُ رسالةً في ضميرِ الرجال.