الثقافة والفن

قراءة تحليلية نقدية بقلم الناقد: دلال جواد الأسدي لنص أنين  للكاتب المبدع  أيمن الخراط  1

قراءة تحليلية نقدية بقلم الناقد: دلال جواد الأسدي لنص أنين  للكاتب المبدع  أيمن الخراط

1

أنين

أنين اسم للنص لم يشتقه الكاتب أيمن من النص كاسم فقط، بل لكل متشرب بكل أرجاء النص السردية والوصفية لحالة الشعور التي تصف رحلة عمر لمن يستحق، لكن بحرقة ومرار الفقدان. ومع ذكر كلمة “أنين” تتويج لوصف الشعور في نهاية النص التي مثلت الكلمة مفتاحًا أغلق النص بها وفتح به بالعنوان.

 

المقدمة

الشكل العام

تمثلت البداية في سرد وصفي لحالة التعب والخمول، فقدت شغف الحياة بسبب فقدان من كان يجمل الحياة.

هنا مثل الفقد كاللون الطيف عند فقدان الشخص الغالي على القلب أو الشريك، يأخذ الحياة معه.

 

برع الكاتب في إيضاح عدم وجود عوض أو تعزية من المحيط،

أي أن بعد مرور وقت معين يعاود كل شخص حياته الطبيعية وينسى الفقدان، لكن القلب المعلق بالروح المفقودة يشعر بالغربة، ولا يوجد شيء يسد مكان الفقيد، وتكون الحياة بالنسبة له محطة وليست استقرارًا.

 

تكرار تأكيدي لكن بوجود تخفيف منه:

الصدر المحزون

صدر السرير

صدر الحجرة

صدر الكرسي

 

استخدام التكرار لخدمة التأكيد في النص، لكن هنا كان ممكن تغيير بعض الشيء من المفردات إذا كان يقصد معنى العمق وتجذر الحالة الشعورية أو تمركزها، لكن دخلت في محيط التكرار بعض الشيء.

 

اهتزاز السلاسل

اهتزت سلاسل الباب

 

هنا التكرار يمثل بداية صقيع شعور مأساوي ونهاية كارثية أكبر، لذا التكرار مثل رونقًا للنص كمفتاح شعوري وصفي،

وذلك عند استهلال النص به كأننا فتحنا الجراح على الشخص بسرد قصة مؤلمة في وصف شعور الفقد والغربة.

 

والاستخدام الثاني للعبارة أقفل “اهتزاز سلاسل الباب” الأولى التي ودعت الراحلين، وفتحت سلاسل أخرى من الحزن والألم نحو تخلي المحيط، أقرب المقربين من الأولاد ومحاولة محو ذكرى والدهم باستخدام مقتنياته الخاصة التي لها معنى كبير ومكانة لدى الأم.

 

2

الشخصيات:

برز النص بنحورية حدثية أهم من تسليط الضوء على شخصية معينة وإعطائها ملامح وجود، لكن كان الأهم لدى الكاتب وصف الحالة الشعورية ومحاولة إعطائها ملامح من خلال التصرف والشعور أكثر من إعطاء أهمية للشخص بحد ذاته.

 

لكن يخال للقارئ لدينا:

 

الأم: وذلك من خلال وصف الألم يظهر الجانب الشعوري الفياض ووصف بعض تصرفات الفقيد.

 

الأولاد:

شخصيات غير واضحة المعالم التكوينية الوجودية، لكن توضيح بليغ لمعنى عدم المبالاة والمصالحة، ممكن أن تفسر أو تعتبر سنة الحياة في الالتفات لحياتهم وعائلتهم، عوضًا عن الحزن والاستمرار به.

 

لكن عُرض لنا الأولاد ليس عن طريق تصرفهم، بل عن طريق عيون الأم وما تفسر من تصرفات منهم.

 

زوجة الابن:

هذه الشخصية التي أشارت إليها الأم من خلال السرد، والتي سببت ألمًا للأم عن طريق وصف نبرة الصوت في دلال، وهذه النبرة سببت عمق ألم.

 

ممكن تفسير سبب الحزن الذي غلف قلب الأم بعدم تقبل أي تصرف،

أو فعلاً هناك سوء تصرف واستغلال من خلال عرض الصورة والمشهدية في المقطع المذكور.

 

التشبيهات المطروحة في النص:

عبرت التشبيهات المطروحة في النص، كل منها يعمل على شرح ومحاولة الوصول إلى عمق شعور الألم وتجذر الذكريات.

 

لدينا:

أرجله منذ خمسين عامًا

لاحتضان الذكريات

صدر الكرسي الأرابيسك

 

مثلًا تشير هذه المفردات إلى المدة الزمنية من العِشرة التي دامت بينهم، والأرابيسك في الكرسي نوع من أنواع الأشكال الهندسية الجميلة القديمة، والذي يمثل كرسي الفقيد، استخدم لبيان معنى الذكريات وعمقها وتجذرها.

 

عانقت الظلمة

الصدر المحزون

لاحتضان الذكرى

صنع أرجله منذ خمسين عامًا

مساء صيفي باهت

شبحي الجلباب

صدر الكرسي الأرابيسك

محفورين في الخدود الضامرة

 

3

 

الرسالة التي يحملها النص:

يحمل النص رسالة بين طيات الحروف، الرفق بالوالدين عند الكبر، وخصوصًا إذا فقد أحدهم، يبقى الآخر يعيش في اللاشيء، يحتاج عناية واحتضانًا وفهمًا.

 

رسالة موجهة للمجتمع وللأبناء في الرحمة ومخافة الله تعالى في والديهم.

 

رسالة النص بالتعابير الصادقة في نقل الشعور بكل أمانة وتجسيد معنى الألم في الفقدان لمن يملك القلب، يلامس ضميره وروحه.

 

الخلاصة بالرأي الخاص:

نص غني بالأوصاف والسرد والصياغات البليغة من التشبيهات التي تعطي رمزيات جميلة وسهلة تخدم النص في المحورية الشعورية التي انطلق منها.

يمكن اعتباره نصًا إنسانيًا من الدرجة الأولى.

يمكن اعتباره رسالة رائعة وتوعوية للمجتمع والأفراد.

يمكن تقديم النص كحكمة وعبرة في الرحمة والإنسانية ومخافة الله تعالى وخفض جناحي الرحمة للوالدين.

 

كل الشكر والتقدير لهذا النص الجميل الرائع بما يحمل من معنى وتوجيهات عن طريق الطرح الصادق للشعور.

تحياتي

دلال جواد الأسدي

 

للكاتب أيمن الخراط

 

حين اهتزت سلاسل الباب الخارجي اثر اشتداد الريح، نفضت عنها انكماشها وأخرجت عينين رحل عنهما النوم منذ أن غادرها ذات مساء صيفي باهت. عانقت ظلمة المكان الذي يصل إليه بصيص من نور خارجي، عادت رائحة ملابسه الممتزجة دومًا برائحة شجر الليمون والكافور تعبر أسفل الأنف المتعب، فتتسع أبواب الصدر المحزون لاحتضان الذكرى.

 

أراحت رأسها على صدر السرير الذي صنع أرجله منذ خمسين عامًا، وتنهدت. انتظرت أن يفتح الباب بهدوء حاملًا في يده فاكهة الشتاء، ثم يهزها كي تؤانسه. من خلف النافذة يرتعش بصيص النور قليلًا ثم يستقيم. في صدر الحجرة، تصعد عيناها فوق شبحي الجلباب والعصا المخروطة، ثم تهبط بهما على صدر الكرسي الأرابيسك الذي قضى نصف عمره عليه يتناول الطعام، يتجشأ، يحتسي القهوة مع لفافات التبغ، ويتحسر على عمره وخيبة أمله في أولاده الذين لم يشابهوه.

 

من عمق انكسار العينين تطفر دمعتان تنزلقان على خطين محفورين في الخدود الضامرة، فتضطرب الرؤية قليلًا. مع اهتزاز السلاسل مرة أخرى تعاود انكماشها. ومن خلف الباب المغلق يجيئها صوت زوجة الابن تسأل في دلال: “متى نأتي بأثاث جديد لهذه الحجرة؟” لحظات ثقيلة مرت قبل الرد. بعدها تدفن رأسها في وسادة لم تخل طوال الليل من بلل وصوت يشبه الأنين

 

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار