الحب في منظور الشعر والشاعرية: قصيدة:(أحببتُ عَلِيّــــــاً) للشاعر سعود علي ناجي بقلم الناقد والشاعر حسين علي عوفي البابلي

الحب في منظور الشعر والشاعرية: قصيدة:(أحببتُ عَلِيّــــــاً) للشاعر سعود علي ناجي بقلم الناقد والشاعر حسين علي عوفي البابلي
توطئة
ـــــــــــ:
الحب كلمة سامية تحملُ بين طيّاتها العديد من الدلالات والمعاني الغير مشروطة سواء بالمال او المكانة أو الجمال، وإن أعلى درجات الحب الذوبان مع الخالق والسعي لرضاه، واتخاذ الوسائل التي تعزز روح التواصل مع الله سواء عن طريق الأنبياء والأوصياء والأولياء والصديقين باعتبارهم القدوة والمثل الأسمى في تجسيد تلك العلاقة بين الخالق والعبد.
من تلك الحقائق وماتفضيه تلك الكلمة(الحب) انطلق الشاعر سعود علي ناجي مفتتحا قصيدته(أحببتُ عليّاً) بطريقة واعية وانتقائية مميزة لشخصية حفرت اسمها في ذاكرة العصور والأجيال، تمثلت بشخصية أمير المؤمنين وسيد البُلغاء والمتكلمين يعسوب الدين الإمام علي بن طالب عليه السلام، بعيدا عن الرؤيا العرقية او المذهبية أو الطائفية، فالإمام علي (عليه السلام) أشاد به كثيرون من غير العرب والمسلمين، باعتباره أعدل خليفة وسلطان منذ نشأة الخلق وإلى يوم يُبعثون، وهذا مااكدته الأمم المتحدة رسميا.
فحاول الشاعر في قصيدته الدخول لهذه الشخصية العظيمة من الباب المؤلم، وذلك حين اغتالته يد الخارجين عن الدين الحنيف وعن المُثل الأخلاقية والإنسانية العليا، لاسيما وأن الجريمة حدثت في شهر رمضان المبارك شهر الله وفي ليلة القدر التي تفضل ألفَ شهر، وفي بيت من بيوت الله وهو مسجد الكوفة عاصمة الخلافة الراشدة سنة ٤٠ هـ، وفي العشر الأواخر من الشهر الفضيل.
تداول الشاعر تلك الشخصية الغنية عن التعريف بإسلوبية إشارية لماحة، تشي بمعاني عديدة وتختزل شروحات وتفصيلات عديدة، لأنه يعي أن الشخصية وحادثة الإغتيال لم ولن تترجل عن الأذهان وعلى مر العصور.
لذلك اتخذ الشاعر تكثيف الصورة المرئية بإشارات دقيقة وذكية عِبر دفقات شعورية متناسقة ومتماسكة ومتلاحقة ليعطي للذات سايكولوجيا وسسيولوجيا حضورا مؤثرا، وبالتالي فإن الشاعر يعتقد جازما أن الحقيقة ستتولى إيصال الرسالة بكامل ثوابتها وطاقتها المؤثرة في استجابة التلقي.
وأنا أحد الذين تستفزهم شفةُ القصيدة وتُغري قلم الشعور بالولوج عِبر رضاب الحروف لأتذوق نكهة المعاني وشهد الدلالات الناضجة على طبق اليقين، فأحمل شهوتي المتنمرة على غبار الأفول للزمن الهش المزكوم باللاجدوى والفراغ، مستثمرا معطيات أوحت بها القصيدة بضوء من التفاؤل المخضب بالعمق والشاعرية والجوهر النفيس من خلال شخصية فريدة، ألا وهو الإمام علي عليه السلام وحسبي بذلك فخرا.
علي عليه السلام، ثيمة العشاق المؤمنين والمفطورين ولاءً ومحبةً للعقيدة السمحاء، فالله هو الحب، والدين هو الحب، والوقوف مع الحق هو الحب.. وهذا الإطار السماوي لايقبل التأويل بأي شكل من الأشكال وتحت كل الظروف.
استطاع الشاعر سعود ناجي أن يأخذنا معه لنقفَ أمام مرآة لصورتين متناقضتين، الأولى قبل الحادثة والثانية بعد الحادثة وماآلت إليه تداعياتها على الأمة الإسلامية، أمة عظيمة وقوية آمنت بالرسالة، وأمة ذابلة واهنة..
لكن لم يفت الشاعر من أن يبث روح التفاؤل والأمل مؤكدا أن الزمن سيدور حتما مع الحق وإن تأخر الموعد وطال الانتظار، والجميع يعرف ان الحق مع علي وعلي مع الحق..
وفي مقابل تلك الشخصية، تظهر شخصية القاتل عبد( الشيطان) بن ملجم المرادي وليس عبد الرحمن، وزمرته الخوارج ممثلين بقطام بنت شجنة التميمية،ومعنى قطام:المشتهية للرجال، وهي رمز الإنتقام والكراهية والتحريض على قتل الإمام عليه السلام، ومعها يقف ابن عمها وردان بن مجالد وشبيب بن بجرة الأشجعي، وقطام هذه اشترطت مهر زواجها من ابن ملجم(لعنهم الله) قتل الإمام علي عليه السلام.
وفي قطام الخارجية من آل تيم الرباب، يقول ابن مياس المرادي:
ولمْ أرَ مهراً ساقهُ ذو سَـــفاهةٍ
كمهرِ قطامٍ بين عُربٍ وأعـــجمِ
ثلاثةُ آلافٍ وعبـــــــــــــــدٍ وقِينةٍ
وضربُ عليٍّ بالحسامِ المُسمّمِ
فلامَهرَ أغلى من عليِّ وإن غلا
ولافتكَ إلا دونَ فتكِ ابنِ مُلجمِ
فالقتلة يعرفون أن الإمام علي عليه السلام حين يذهب للمسجد لاوجود للحراس ترافقه، بل يسير وحده مطمئنا، وقد اخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بأنه سيُقتلُ شهيدا على يد أشقى خلق الله.
فكان مؤمنا بقول أخيه وابن عمه وابي زوجته الزهراء عليه وعليهم افضل الصلوات. يأخذنا الشاعر من مطلع القصيدة بتجسيد هذا الحب الذي تغلغل فيه من أخمصه حتى هامته،فامتلأ به كيانه وروحه قبل قلبه، هذا الحب اختلط بدموع الحزن ، كلما خطرت تلك الذكرى الأليمة في رمضان، ليعطي لهذا الحب بعدا آخرا مرتبطا بالإيمان واتباع نهج محمد والوصي والعترة الطاهرة عليه وعليهم افضل الصلاة واتم التسليم.
فالإمام علي عليه السلام يصفه الشاعر قائلا:
وهممتُ للبحر المحيط بغرفَةٍ
مِن ذي التُقى بل جوهرِ الإيمانِ
استخدم الشاعر الأنسنة بذكاء ودراية وحكمة،
فالخوض في هكذا بحر ليس من السهل، وهو يعلم انه لابد من استحضار السبل والوسائل للتهيئة كمستلزمات لابد منها، لذلك استدرك من خلال (تلجج اليراع…)
وهو يملي ماأوحى به الوجدان..
ثم ان علي هو باب مدينة علم النبي عليه واله الصلاة والسلام، فهل باستطاعة أحد المغامرة لولوج هذا الخضم المهيب؟
لذلك وجدنا الشاعر في تردد وتساؤل وحيرة:
في باب علم المصطفى مترددٌ
فيما أبوحُ وما اقولُ عساني.
لقد افصح الشاعر عما يدور في خلجاته ازاء تلك الشخصية العظيمة، وتطرق ايضا لأعدائه وأعداء الله والإنسانية.
هذه باختصار رحلتي القصيرة مع شاعر مميز وقصيدة من عيون الشعر.
الناقد والشاعر
حسين علي البابلي
وإليكم القصيدة موضوعة البحث:
أحببتُ علياً..
بَلـغَ الـودادُ بهـامتــــي و كيــانـي
فتدفّقَ الدمـعُ الحبـــيـسُ بيـانـي
و هَممتُ للبحر المحيـط بغَرفـةٍ
مِنْ ذي التَقِيِّ وجَــــــوهرِ الإيمـــــانِ
أبدَى اليَـراعُ تلَجْلُجـاً لـــو أنّنـي
دَوَّنتُ مـا أوحـــاهُ لي وجْــــــدانِي
في بابِ علمِ المصطفى مترددٌ
ماذا أبوحُ وماأقولُ عَسَــــــــــــاني
هلْ أبتغي مجْداً بِمَدْحَـةِ سَيِّدي
أم أُطفِىءُ النِّيرانَ مِنْ أحزانـي
تالله إنّ المَدْحَ فيهِ لقاصـرٌ
فَهـوَ الصـِّـراطُ بِهَيئـةِ الإنســــانِ
رمضانُ والذِّكرى تُريقُ شُجونَنَـــا
أيَّانَ نَذكرُ فِعلةَ الأضغَــــــــــــانِ
القدْر موتـورٌ بغيــلةِ فجـرهِ
و بطعنــة الأحقــــادِ للإيمـــانِ
خطبٌ تعاظمَ في السّما من غدرةٍ
وقعت على الإسـلام و الأركـانِ
و تهَدَّم الركنُ القويمُ بساعةٍ
جَزعَت بها الأَجـرامُ في الأكوانِ
فتفـرّقَت سـبلُ العقيـدةِ يومَهــا
و تَشتتَت زمراً من الرُكبـــانِ
و العهدُ من قربٍ وليـس بغـابرٍ
و محمدٌ كحلٌ علـى الأجفـانِ
هدموا قوامَ الدين لما أغفلــوا
لحقيـقةٍ فـي مُحكم القرآنِ
هذا علـيٌّ نفسُ أحمدَ فـي الورى
نفسٌ سَمَت و وعاؤهـا جسـدانِ
منها رســولٌ منذرٌ و مبشرٌ
ثم الوصــيّ مُحطِّــــمُ الأوثانِ
مغوارُ دينِ محمدٍ بل ليثُــهُ
درعُ النبي بسـاعة العدوانِ
بَكّـاءُ يقضـي ليلَهُ مٌتبتّلاً
عند الوغـى نادوا: فتى الفتيــانِ
يا قالعَ الحصنِ الحصينِ و بابهِ
يا هازمَ الأحزابِ و الشجعانِ
أي ذا الفقارِ ومن يصـولُ بنصلهِ
إلّاكَ يخمد ثورةَ البركـانِ
نَزَعَت عن الشهواتِ طراً نفسُهُ
في مَقتها أمضـى من الرهبانِ
نبــعٌ تفجّـــرَ للضِمـــــاء بيــانُـهُ
و علومُهُ فاقت مدى البرهـانِ
في قولِهِ فصـلٌ لكل عويصـةٍ
في عدلهِ أرهى من الميزانِ
بِودادِهِ وَصلُ النبي و قربُهُ
و ببغضهِ حَوْزٌ الى النيرانِ
شعر المهندس سعود علي ناجي