قراءة لقصيدة وجع خفي للشاعر العراقي حميد يحيى السراب. بقلم د. حسين شاكر الخفاجي

قراءة لقصيدة وجع خفي للشاعر العراقي حميد يحيى السراب. بقلم د. حسين شاكر الخفاجي
العناوين والوحدات تبدأ بـ «وجعٌ خفيّ / ثملاً يطوف » ثم ينتقل إلى مراحل من الوجع البعد الرحيل الصبر هذا التوالد يعطي النص وحدة موضوعية وهو أمر إيجابي
من جهة العروض: هناك ما يوحي بأن الشاعر يحاول إيقاعاً معيناً (مثل فمتى تشاكس مقلتي وتناظر؟ لكن في بعض الأبيات نلمس تحركاً في عدد الوحدات أو التشكيل العروضي لذا من زاوية نقد العروض، يمكن القول إن النص يحافظ على نسق متقارب من الوزن
من حيث التوزيع الداخلي: تقطيع الأبيات والعجز والصَدر تظهر محاولات لربط فكرة كل بيت بالماضي أو بالحالة النفسية وهذا من الجيد أن النص ليس مجرد تجميع صور بل هناك تتابع وحوار مع الذات
اللغة والصورة
اللغة شعرية تتميز بوفرة المجاز مثل (سملت عيوني بغتة وتأوهت) «وجع على وجع يشاكس بعضه» وهذه صور قوية تعكس الحَس الشعوري للنص
الأسلوب يميل إلى الحميمية هناك مهجتي مقلتي هجمتي وهذا يعطِي إحساساً بالذات المتألمة التي تتكلم إلى القارئ مباشرة
هناك تنوع في الصور بين الداخلي (وجع حلم شوق) والخارجي (غياب رحيل مشاعل) هذا التنويع يسهم في إثراء النص
التكرار والمروجات ظهور وجع خفي في مطلع النص يعيد نفسه داخل النص ضمن سياق قريب هذا ليس خطأ بالضرورة فقد يكون مقصوداً لتأكيد الحالة
من حيث الموسيقى الداخلية تبدو هناك محاولة لإيقاع داخلي متمثل في ترديد حلقات صوتية مثل وهذا أمر إيجابي
ثالثاً المعنى الموضوع الانعكاس الذاتي
الموضوع العام حكاية وجع ألم داخلي فقد انتظار ربما غياب وربما عشق (أو على الأقل حب ما) هذا موضوع ذو صلة وإنساني عام ويستدعي انتباه القارئ
هناك نوع من التشابك بين الوجع الشخصي (مهجتي مقلتي) والوجع الجماعي أو الوطني (عيناي من وجع العراق شجونها في ما قرأت من تحليل للنص لدى الشاعر) هذه الإشارة تجعل النص ذا بعد مزدوج شخصي واجتماعي/وطني وهذا يعطيه عمقاً إضافياً
الانعكاس الذاتي واضح الشاعر يتحدث إلى نفسه ويخاطب ذاكرة الألم (ومتى تغادرُ لهفتي جنونها) هذا يجعل النصّ تجربة أكثر منه وصفا خارجيا فقط وهو أمر جيد
خاتمة النص يميل إلى نوع من الاستسلام أو القبول بـ (زيفٍ) (أرضى زيفه وأكابر) هذا مشهد مثير الأصل أن الشاعر يجرح نفسَه ثم يصل إلى نوع من القبول أو التعايش مع الألم ويعد هذا تحولا مهما في النص
لكن بالمقابل بعض الأسئلة أو الدعوات (فمتى تشاكس مقلتي وتناظر؟) تبقى بلا إجابة هذا قد يكون مقصودا لخلق حالة من الترقب أو الوجع المفتوح لكن قد يشعر القارئ بأن النص يترك بعض النهايات قليلة الاستيضاح
رابعا نقاط القوة ونقاط التحسين
نقاط القوة
الصور الشِعرية المتعددة والمتقنة تلقى النص عدة صور تعبيرية قوية (وجع سفر شوق انتظار)
الأنا الشعرية الحاضرة النص يعبّر بصوت واضح عن الذات ليس مجرد سرد وهذا يمنحه صدقا
الدمج بين البعد الشخصي والبعد ربما الوطني (كما أشير إليه في ما كتب عن الشاعر) يعطي النص بعدا إضافيا
التنوع الموسيقي اللغوي في الأسطر استخدام التكرار التضمين المحاكاة الصوتية
خامسًا: التوصية العامة
أرى أن القصيدة تتمتع بقدر كبير من الأصالة العاطفية والحس الشعري الداخلي وهو يتماهى مع تجربة الذات المتألمة والمنتظِرة
ربط البعد الشخصي (وجع، انتظار، عشق) مع البُعد الأكبر (وطن غربة زمن) بشكل أكثر بلاغة أي ليس «عيناي من وجع العراق» مباشرة لكن إشارة أو رمز يمكن أن تكشف بلا أن تعلن
وفي الختام احيي الشاعر الاستاذ السراب لما ذهب إليه في هذه القصيدة من وجع والم وحب
وجعٌ خفيّ
……..
ويهدّني وجعٌ خفيّ ظاهرُ
ثمِلاً يطوفُ بمهجتي ويقامرُ
سُملتْ عيوني بغتةً وتأوّهتْ
هل كان يقرحها النوى فتغامرُ؟
أو شدّها حلمُ الحنينِ بوصلهِ
فتمرّستْ وهجَ البكاء تعاقرُ؟
رحلوا همو؟ تركوا مشاعلَ جذوةٍ
فتشاكل الماضي السحيقُ الحاضرُ
وجعٌ على وجعٍ يشاكس بعضهُ
فمتى تشاكسُ مقلتي وتناظرُ؟
ومتى تغادرُ لهفتي بجنونها
وجنونها متفائلٌ ويماكرُ؟
اللهُ ياوجع القلوبِ وحزّها
ويحزّها مَسَدٌ ثقيلٌ نافرُ
ماكنتُ أصبو غيرَ وصلٍ زائفٍ
ولسوفَ أرضى زيفهُ وأكابرُ
صدق النوى فرمى الهوى بحجارةٍ
سجّيلها متناغمٌ يتكاثرُ
هل أسكتِ الواشين من لدغاتهمْ
في كلّ يومٍ لدغةٌ ومقابرُ؟
لم تبقَ في جسدي الهزيل بقيّةٌ
كيما أقارع ُ لوعةً وأحاذرُ
كلّ الجراحِ تركتها ميمونةً
هطلت ْعليّ بشدوها وتفاخرُ
مبرور يا جرح الجوى بسقايةٍ
ورفادةٍ أنّ الطوافَ لَغافرُ
نص نقدي لهذه القصيدة الشعرية للشاعر العراقي حميد يحيى السراب
حسين شاكر الخفاجي