
السياسة ليست لعبة عندما يصبح الهابطون قدوة؟ الاستقطاب النفسي والاختراق الأيديولوجي لأجهزة الدولة. كيف يهدئ الخطاب المتدني هيبة الدولة ويقوض استقرار المجتمع
بقلم الكاتب أ م د مهدي علي دويغر الكعبي
دراسة بين الاختراق الناعم وكيف تستخدم الأجندات الخارجية الخطاب المتدني لزرع الفوضى وما بين الهيبة المفقودة وترميم الذات أولًا … مقاربة سيكوسياسية لإصلاح الداخل قبل الخوض في معارك الخارج .
كلمة حقٍ أُريد بها وجه العراق إنها صرخة في وجهِ الظلام ونبراسٌ يُضيء درب الخلاص إذا كان النظام والقانون هما العمود الفقري لأي دولة فإن هيبة الدولة هي الروح التي تحيي هذا الجسد والتي بدونها يصير النظام حبراً على ورق والقانون أضحوكةً في ساحات العابثين.
فلا تُحدثني عن استقرارٍ حيثُ لا هيبة ولا تنمية حيثُ لا وقار فغياب الهيبة هو الطريق الملكي إلى الاضطراب وهو النفق المظلم الذي تؤدي إليه كل سبل التخبط. إنه إعلانٌ عن موتِ الاحترام في نفوس الناس تجاه مؤسساتهم وتحول الدولة من حاميةٍ للضعفاء إلى غنيمةٍ للمتنفذين حينها تَهِشُّ البنى التحتية وتَخورُ عزائمُ العاملين وتتعطل المرافق العامة عن أداء دورها لأن النفوس التي فقدت احترامها للدولة لن تبذل جهداً في خدمتها.
وأيُّ وبالٍ أعظم من أن يصبح الاستهزاء بالوطن وأمنه واستقراره سلعةً رائجة وطريقاً مُعبداً للشهرة الرخيصة؟! إنه خطابٌ مدعومٌ بأجندات خفية يهدف إلى تمييع الوعي وطمس الحقائق وتقديم النخب الفاشلة على أنها قدوات! إنه القضاء على آخر أمل للشعب العراقي الأبي في أن يرى وجوهاً كفؤةً تحمل همومه وتعمل لعزته وتفكر بمستقبل أبنائه. إنه تأكيدٌ على أن الطريق لا يزال طويلاً للوصول إلى وعيٍ شعبيٍ حقيقي يرفض الدخلاء ويصطفّ وراء الكفاءات.
إن السماح للفاشلين قليلي الخبرة بالتسلل إلى المناصب الحساسة هو جريمةٌ في حق الشعب هذه المناصب ليست مزارعَ شخصية ولا مكافآتٍ سياسية إنها قلعةُ الأمان التي يحتمي بها المواطن وهي درعُ الكرامة التي تحمي سيادة الوطن تسليمها لمن لا يستحقها هو تسليمٌ لمقدرات البلاد للعبث وتفويتٌ للفرص على الأجيال القادمة.
ويلٌ لمن يظن أن السياسة مهنةُ من لا مهنة له! إنها ليست أقل شأناً من الطب أو الهندسة بل هي التي ترسم خارطة الطريق لهما جميعاً فاقتصادٌ بلا سياسةٍ رشيدةٍ ينهار وتعليمٌ بلا رؤيةٍ سياسيةٍ يتخبط وصحةٌ بلا تخطيطٍ سياسيٍ تتداعى السياسة هي أمُّ المهن وعمود خيمة الدولة وإدارتها بالفاشلين هي هدمٌ لهذه الخيمة على رؤوس الجميع.
ومن هنا، فإن الخلاص يبدأ بإعادة الاعتبار للكفاءة. الكفاءة التي تُقاس بالعلم، والخبرة، والنزاهة، والولاء للوطن لا للطائفة أو للحزب. الكفاءة التي يجب أن تكون المعيار الوحيد لتولي المناصب. وهذا لن يتحقق إلا بحراكٍ مجتمعيٍ ضاغط تقوده النخب الواعية ووسائل الإعلام المسؤولة، ومنظمات المجتمع المدني النظيفة يجب أن نكون جميعاً حراساً للكفاءة ومدافعين عن الهيبة وصوتاً عالياً يفضح كل من يتطاول على مقام الدولة.
إن ما نراه اليوم من أزمة أخلاقية وشرخٍ في النسيج السياسي وخطابٍ بذيءٍ يسوده التشنج والتعصب هو نتاجٌ طبيعي لغياب الهيبة وتراجع دور القانون لقد أصبح الوطن ساحةً مفتوحةً للأيادي الخفية الداخلية منها والخارجية التي تتلاعب بمقدراته وتستبيح أمنه.
فإلى متى الصمت؟ وإلى متى التأوه؟ .
حان وقت التحصين وقت بناء مؤسساتنا التشريعية على أسسٍ متينةٍ من الكفاءة والنزاهة وقت فتح نقاشٍ وطنيٍ جادٍ يضع الشأن العام فوق كل اعتبار وقت محاربة الخطاب الهابط وترميم البنى الأخلاقية وقت إصلاح الداخل قبل الخارج.
نحن بحاجةٍ إلى ضوابطَ صارمةٍ تمنع الدخلاء وأصحاب الأجندات المشبوهة من الخوض في شؤون الوطن يجب أن نعلو فوق خلافاتنا وأن ندرك أن العراق هو البيت الكبير الذي يجمعنا جميعاً أي مساسٍ بهيبة الدولة هو مساسٌ بكرامة كل عراقي وطعنةٌ في حاضرنا ومستقبلنا.
فلنرفع سويةً راية الكفاءة ولنحشد الهمم لإعادة الهيبة لمؤسسات دولتنا فلنكن يداً واحدةً في وجه كل عابث وصوتاً واحداً ينادي العراق أغلى وهيبة الدولة خطٌ أحمر.
معاً.. من أجل كفاءة تخدم الوطن وهيبة تحمي الكرامة.
