المقالات

الجلابية: بين الانتقاد والقيمة الحقيقية بقلم الكاتبة الروائية ھدى حجاجي أحمد

الجلابية: بين الانتقاد والقيمة الحقيقية بقلم الكاتبة الروائية ھدى حجاجي أحمد

بمناسبة الجلابية، التي أثارت بعض الانتقادات من أصحاب الباقات العريضة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، تتجدد في ذهني ذكريات أبي رحمه الله، تاجر الفواكه المعروف، صاحب السيرة الطيبة بين أسوان والإسكندرية.

كان أبي يحكي لنا في ليالي الشتاء الباردة، ونحن نلتف حول مدافئ الفحم أو الخشب، عن المعلم أحمد إسماعيل رحمه الله، أحد أكبر تجار سوق روض الفرج، ولاحقًا سوق العبور. كان يقول لنا بفخر أن جميع أبناء المعلم أحمد تعلموا تعليمًا جامعيًا كاملًا، حتى أن أحدهم أصبح أستاذًا في جامعة القاهرة. ومع ذلك، وبعد يوم دراسي طويل، كان يعود إلى السوق بسيارته الفخمة، يخلع البدلة وربطة العنق، وينزل إلى الأرض ليعرض الخضار والفواكه السليمة بجانب المعطوبة، ويضع الأقفاص فوق بعضها ببساطة وهدوء. من يشاهده لا يعرف أنه الأستاذ الجامعي الذي يدرس أجيالًا، ولا يعلم أنه ابن المعلم الكبير صاحب السوق.

وأبي، كما كان يقول دائمًا، كان يفصل أفخم الجلابيب. ومن لا يعرف ثمن الجلابية اليوم بالآلاف، قد يظنها مجرد لباس عادي. لكنه كان يعلمني درسًا مهمًا: قيمة الشيء ليست في ثمنه، بل في جوهره وروعته وصدقه. وكم من رجال يرتدون البدلات الفاخرة، وهم في الواقع لا يساوون عند الله جناح بعوضة.

قد يختلف الناس حول الجلابية، وقد يثار جدل حول مَن يرتديها، لكن الذكرى الحقيقية والقيمة العميقة تكمن في البساطة، في التواضع، وفي احترام الناس والحياة اليومية، بعيدًا عن أضواء المناسبات والبهرجة. الجلابية، كما علمنا أبي، ليست مجرد قطعة قماش، بل درس في التواضع والكرامة والقيمة الحقيقية.

بقلم الكاتبة الروائية ھدى حجاجي أحمد

 

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار