المقالات

القيمة في القلب بقلم: انتصار الحسين. العراق 🇮🇶

القيمة في القلب

بقلم: انتصار الحسين

في صباح مشمس من أيام مدرسة المتفوقات، حيث تتسلل أشعة الشمس الناعمة بين نوافذ الصفوف لتغمرها بدفء خاص، كانت ريم، سجى، ورهف، ثلاث صديقات تجمعهن دروب العلم والشغف والتفوق. بدت صداقتهن متينة كجدار لا ينكسر، تُنسج بينهن لحظات الود والدعم، وشعور بالانتماء يملأ الأجواء.كانت ريم، ذات الحضور اللافت، تتألق كل يوم خميس على منبر الشعر في المدرسة، فتتلألأ كلماتها بأنغام حب العلم والجمال، تجعل القلوب تنبض بهدوء التفاؤل. أما سجى، فتاة الذكاء المتوقد والحب العميق للعلوم، فكانت تأسر الجميع بحماسها، تبحر في التجارب الجديدة وتشارك اكتشافاتها بفرح صادق.

وربما كانت رهف، الهادئة والمتواضعة، هي الأعمق حضورًا على غير صخب، حيث أتقنت اللغة الإنجليزية رغم صغر سنها، وتحمل في قلبها عالماً من المشاعر الصامتة المعقدة، تعيش بينها ببساطة ملحوظة في مظهرها، تلك البساطة التي تميزها بنقاء داخلي لم يعكره أحد.ومرت الأيام، وببطء، بدأت همسات خفية تتسلل بين أركان الصف، كلمات مؤذية تتردد على ألسنة بعض الطالبات، تقلل من شأن رهف بسبب بساطتها الظاهرة، وكأنها عيب يجب الابتعاد عنه. بدأ ذلك الجدار من الصمت والكلمات غير المعلنة ينمو بين رهف وصديقتيها، فبدأت رهف تنسحب تدريجيًا بصمت، تغرق في عالم من الحزن والحيرة.في صباح هادئ، لاحظت ريم وسجى التغير البائن في رهف، وملأ القلق قلبيهما. قررتا الاقتراب منها، فعثرتا عليها جالسة في زاوية الصف، تنظر بعيدًا بعيون غارقة في دموع مكبوتة. اقتربتا منها بصمت، يسكنه الود والاحترام، وقالت رهف بصوتٍ مبحوح، كأنه انكسر على صخور جرح عميق:

كنت أظن أن صداقتنا مبنية على الصدق والاحترام، لكن كلماتكن وهمساتكن عن بساطتي جرحوني أكثر مما كنت أتصور. لم أكن أريد الابتعاد، لكن قلبي المثقل بالألم لم يعد يحتمل الصمت.سكتت لدقيقة، ثم أضافت بصدق موجع:

القيمة الحقيقية ليست فيما نرتديه أو نظهر به، بل في النقاء الذي نحمله داخلنا، في قلوبنا التي تحفظ العطاء والمحبة. العلم مهم جدًا كي ننجح في حياتنا، لكنه يبقى ناقصًا إذا لم يرافقه إنسانية تُعَزّز الرحمة والتعاطف.تأثرت ريم وسجى بشدة، امتلأت عيناهما بالدموع، نهضت ريم ببطء وقالت بصوت متقطع ممتلئ بالاعتذار:

لم نكن ندرك حجم الألم الذي سببناه لكِ. نعتذر من كل قلبنا، ونعدك أن نصبح صديقات حقيقيات، لا نحكم على أحد بناء على المظاهر بل نحتضن القلوب. وأضافت سجى:

الصداقة الحقيقية تقوم على الحب والاحترام، لا على ما يُلبس الإنسان أو ما يظهر منه.في تلك اللحظة، أدركت رهف أنها ليست وحيدة، وأن غيوم الحزن ستزول قريبًا. خف الألم من قلبها، واستيقظت في صدرها بذرة أمل.وفي حفل اختتام العام الدراسي، وقفت ريم على منصة المدرسة، تخاطب الجميع بحماس وحب:

لن يكون تفوقنا مقصورًا على درجات الامتحانات، بل في قلوبنا وأخلاقنا، في رحمة نزرعها ونمد بها يد العون لمن يحتاج. العلم نور يرشدنا لبناء المستقبل، أما الإنسانية فهي الروح التي تنفخ الحياة في ذلك النور. التفوق الحقيقي هو أن نشعر بآلام الآخرين ونمد لهم يد العون بحب وصدق.ابتسمت رهف ، وشعرت أن ألوان صداقتهن قد أزهرت من جديد، معطية درسًا خالدًا في الحب، الاحترام والتفهم للاختلاف.

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار