ما لم يقله الشيطان : قراءة في غلاف رواية “حبائل الشيطان” لوسام إدريس / بقلم د. أمجد عبد الوارث
متابعة/ فريدة هاني

ما لم يقله الشيطان : قراءة في غلاف رواية “حبائل الشيطان” لوسام إدريس / بقلم د. أمجد عبد الوارث
غلاف رواية “حبائل الشيطان” للدكتور وسام إدريس، يحمل صورة لتمثال ( قُبْلَة ) للنّحات الفرنسيّ أوغست رودين (1840 -1917)، والتّمثال، مُستوحى من قصيدة ( الكوميديا الإلهيّة ) للشّاعر الإيطاليّ دانتي، تُصَوّرُ عاشقين ملعونين في الجحيم، وغلاف الرواية ليس مجرد اختيار جمالي، بل يحمل رموزًا عميقةً تتواشج مع موضوع الرواية النفسي والفلسفي، وتتداخل فيها السياسة بالاقتصاد، وكان تمثال رودين اختيار ذكي يُعرِّف القارئ منذ البداية أننا أمام رواية تُحلل الوجه المظلم للمشاعر، والجانب المقيت من هذه الحياة التي نتوهّم بأننا ننعم بها.
الرمزية التاريخية للتمثال
نحت التمثال رودان عام 1882 كجزء من عمله الضخم “بوابات الجحيم” المُستوحى من “الكوميديا الإلهية” لدانتي، يُصوّر الزوجين باولو وفرانشيسكا، العاشقين الملعونين بسبب علاقتهما المحرّمة
العاشقان، قُتلا على يد زوج فرانشيسكا (شقيق باولو) بعد اكتشاف خيانتهما، وصارا رمزًا للحب المدمّر الذي يتنافى مع الأخلاق ويتعارض معها.
علاقة التمثال بمواضيع الرواية
– الحب كحبائل شيطان، فالتمثال يصوّر العاشقين في لحظة حميمية، لكنهما في الواقع ملعونان، ممّا يعكس تناقض الحب والحب المحرّم، فعلاقات رياض وعشيقاته في الرواية تُبنى أكثر على الرغبة والذنب معًا، مما يهدّد هذه العلاقات في حال افتضاحها، حيث الخوف من الفضيحة يُدمر الشخصيات.
الجحيم كرمز نفسي-اجتماعي
في الرواية، الجحيم ليس مكانًا ماديًا، بل حالة ذهنية، فالتمثال يضع العاشقين في دائرة العشاق الضالين عند دانتي، تمامًا كما تُحاصر شخصيات الرواية في دوامة خوفهم، وهذا الخوف ليس مرده فقط العواطف، لكنه صادر عن الحياة الضنك و شظف العيش التي يعرفها المواطن في يومياته.
الجسد كساحة صراع والحياة كميدان حرب
التمثال يُبرز التشابك الجسدي بين العاشقين، وهذا يرمز إلى الهروب من العقل والقلب إلى الجسد والرغبة (كما يفعل رياض في علاقاته)، مع استحالة الفصل بين المتعة والعذاب في الرواية، فكلما أراد رياض تغليب كفّتي العقل والقلب، يقع تحت سطوة الجسد، وتتكرر مثل هذه السلوكات مع الفرد في علاقاته مع محيطه ومؤسسات وطنه، فكلما يريد أن يتغيّر ويتحرّر ويتقدّم إلا ويقع في قبضة الجهل أو سيطرة نظامه أو في براثن مشعوذي السياسة والمال والإعلام.
رسائل غلاف الرواية الخفي
– اللعنة كاستعارة : العاشقان في التمثال ملعونان أبديًا، مثل شخصيات رواية “حبائل الشيطان” التي تُعاقب بذنبها دون خلاص، كما تطارد لعنة الاستبداد والقهر والتخلف المواطن.
– الخداع البصري : التمثال يبدو رومانسيًا للوهلة الأولى، لكنّه في الحقيقة تراجيدي، تمامًا كما تبدو علاقات رياض “جميلة” لكنها مميتة، نفس الشيء بالنسبة لحياة الأفراد، تظهر فيها الكثير من أشكال الرفاهة والأمن والاستقرار لكن الواقع يثبت حياة جحيمية يتلظّى بنيرانها.
– الخوف من المحظور : اختيار تمثال من الكوميديا الإلهية التي تُصور الجحيم يُلمّح إلى أن الحب في الرواية ممنوع وخطيئة، مثلما يعيش الفرد في حياته الكثير من أنواع القمع السياسي والقهر الاقتصادي والكبت الاجتماعي والاستحمار الفكري.
لماذا هذا الغلاف مثالي للرواية ؟
الأجمل ما في الرواية، أنها لا تُختصر في بعض الثنائيات العاطفية مثل الحب مقابل الموت، والرغبة مقابل الخوف، والجسد مقابل الروح، لكنها تتعدّى إلى مختلف مناحي حياتنا مثل الجهل مقابل الوعي، والسلطة مقابل الشعب، والديمقراطية مقابل الاستبداد، فالرواية ليست فقط عن الحب، لكن عن مشاعر نحياها وسط حياة أشبه بالجحيم.
مصمّمة الغلاف الفرنسية تيريزا غالان، عدّلت من صورة التمثال بوضع تصدّعات له أو فراغات بشكل يدفع القارئ إلى التأمل أكثر، انطلاقا من فكرة أن الفراغات بين الكلمات تخبرنا أكثر من الكلمات نفسها، وقد اعتمدت على منح التمثال اللون الرمادي لإضفاء الجو الكابوسي على سماء الرواية، والذي يرمز إلى النقاء المُزيّف، فالعلاقات التي تربط أبطال الرواية تبدو بريئة لكنها فاسدة، مثلما هو حال علاقة المواطن مع نظامه السياسي ورجال السلطة والمال الأعمال، حيث تلمع الشفافية الوهمية، وكل طرف يعمل على إخفاء عيوبه بما فيهم المواطن البسيط الذي يشاركهم النفاق.
عنوان الرواية كتب باللون الأحمر الذي يعكس كل ما في الحياة من سلبيات كالخطيئة والذنب والعنف ومحاط باللون الأصفر الدال على نار جهنم، وكتب اسم المؤلف وكلمة (رواية) باللون الأسود الذي يدلّ على تعزيز شعور الاختناق الذي تعيشه شخصيات الرواية، وبخط واضح لإبراز الجدية الأدبية، عكس عنوان الرواية (حبائل الشيطان) الذي كُتب بخطّ متكسر ومشوّش بشكل يعبّر عن التناقض والصراع، ويذكّرنا بخطوط عصر النهضة (إشارة إلى الكوميديا الإلهية)، كما أن الخط غير المنتظم يعكس الاضطراب النفسي للشخصيات وعدم الاستقرار الذي يعيشه الشخص في حياته اليومية.
تكمن قوة غلاف رواية “حبائل الشيطان” في تهيئته القارئ لدراما انسانية ثقيلة بكل أبعادها الموحشة والمتوحشة لا مكان فيها للبراءة، ويصبح الغلاف بعد الانتهاء من قراءة الرواية ترجمة لتفسير لكلّ مشهد.