الجامعة العراقية بين ماضي الطائفية وحاضر الوطنية جهد مؤسسي لإعادة بناء الهوية الجامعية .مهدي علي دويغر الكعبي

الجامعة العراقية بين ماضي الطائفية وحاضر الوطنية جهد مؤسسي لإعادة بناء الهوية الجامعية .
بقلم الكاتب والمحلل الأكاديمي
أ م د مهدي علي دويغر الكعبي
التدريسي في الجامعة العراقية
لا يمكن قراءة واقع التعليم العالي في العراق ما بعد 2003 دون التوقف عند الظواهر السلبية التي حاولت اختراق بيئة الجامعات ومنها الطائفية التي تسللت إلى بعض مفاصل المؤسسات الأكاديمية حتى باتت تهدد نسيجها الوطني ووظيفتها العلمية. هذه الظاهرة وإن تم التعتيم عليها لفترة طويلة فإنها بقيت كامنة في سلوكيات وأمزجة بعض المنتسبين ممن استبدلوا المعيار الأكاديمي بالمحاصصة والتفوق العلمي بالولاءات الضيقة.
وفي هذا السياق تبرز الجامعة العراقية اليوم نموذجًا مؤسسيًا في عملية إعادة ترميم الهوية الوطنية للتعليم العالي. لم يكن ذلك ممكنًا لولا وجود قيادة علمية تتمتع بالرؤية والانفتاح كما يتجسد في شخص رئيس الجامعة البروفيسور علي صالح الجبوري الذي استطاع أن يُعيد إلى المؤسسة الجامعية هيبتها الفكرية ويفتح نوافذ جديدة نحو ثقافة علمية ودينية منفتحة تقطع الطريق على المتاجرين بالهوية الطائفية.
من جامعة مستهدفة إلى حاضنة وطنية .
عرفت الجامعة العراقية خلال سنوات مضت كيف تكون هدفًا لمحاولات التفتيت الطائفي لكنها في السنوات الأخيرة تحولت إلى مساحة جامعة لكل العراقيين بفضل دعم وزاري مباشر من معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي ومتابعة جادة من نخب أكاديمية وإدارية أصيلة داخل الجامعة نفسها.
لقد أدركت الوزارة أن معركة التعليم ليست فقط معركة مناهج وبحوث بل معركة هوية وطنية وذاكرة جماعية وأن الطائفية في بيئة الجامعة ليست مجرد انحيازات شخصية بل تهديد استراتيجي لقدرة الدولة على إعادة بناء الإنسان العراقي.
معركة صامتة تقودها العقول .
الجهود المبذولة اليوم ليست فقط جهودًا إدارية بل هي معركة صامتة تقودها العقول والضمائر الوطنية داخل الجامعة التي اختارت الانحياز إلى العقل والعلم بدلًا من الاستقطاب والانغلاق وقد تجسدت هذه الرؤية في برامج القبول، توزيع القيادات التوصيفات الوظيفية وخطاب الجامعة نفسه الذي بات أقرب إلى خطاب الدولة الجامعة لا الطائفة الضيقة.
رغم كل هذه الإنجازات لا تزال هناك محاولات لعودة بعض الأصوات المتضررة من هذا المسار الوطني ممن أزعجهم زوال امتيازات الماضي أو تضررت مصالحهم الشخصية. وهذه الأصوات تحاول أحيانًا النفخ في رماد الطائفية أو صناعة أزمات مفتعلة لتقويض الهوية الجامعة التي أصبحت سمة للجامعة العراقية اليوم.
الجامعة العراقية .. في صدارة المشهد الأكاديمي .
اليوم لم تعد الجامعة العراقية مجرد مؤسسة تعليمية بل هي مشروع وطني في محيط جامعات لا تزال تحاول أن تتلمس طريقها نحو الحياد والاحتراف. فهي تتصدر جامعات العراق من حيث الانضباط الإداري الإنتاج البحثي، والتنوع المجتمعي ما جعلها نموذجًا يُحتذى في صناعة جامعة وطنية بعيدًا عن أي شكل من أشكال الاستتباع الهوياتي أو الإقصاء الديني.
كلمة أخيرة ..
إن التجربة التي تقودها الجامعة العراقية برئاسة البروفيسور الدكتور علي الجبوري بدعم واضح من معالي الوزير ونخبة وطنية من الكوادر التدريسية والإدارية تستحق الإسناد والتوثيق والدفاع خصوصًا في ظل تصاعد محاولات التشويش والتشويه من قبل قوى تريد أن تبقي الجامعة رهينة لأهواء ضيقة لا تليق بعراق ما بعد الفتنة.
الجامعة ليست مجرد مبنى بل هي ضمير أمة وعقل دولة وأفق مجتمع. ومن هذا المنطلق فإن دعم هذه التجربة والحفاظ عليها هو واجب وطني وأكاديمي في آن واحد.

