( خصومة دنيا) بقلم الشاعر جاسم الطائي. جمهورية العراق
قفاراً غَدَتْ جمراً تُريني المدامعُ
فأَرثي وأستَرثي وتَأبى المسامِعُ
وكلُّ القوافي قد تهاوى عمادُها
فأيُّ بحورٍ تستطيبُ الفواجعُ
وإنِّي على ذي الحالِ في كلِّ لحظةٍ
أموتُ وأحيا والمآلُ لَواقعُ
ولكنَّه يا ليتَ يأخذُ حقَّهُ
جميعاً فيُرديني ولستُ أدافِعُ
ألا أيُّها الموتُ المؤَمَّلُ فجرُهُ
قَرُبْتَ بعيداً والمدى عنكَ واسِعُ
فهاتِ ذراعاً واستَمِلنيَ نحوَها
ولُفَّ على جنبَيَّ أخرى تُسارعُ
وحطِّمْ ضلوعاً قد تيبَّسَ نسغُها
وحطِّبْ فقد جَفَّت عليها المَنابعُ
فلم يبقَ منِّي غيرُ وَسمٍ وغصَّة
وحرقة حزنٍ أوقدَتهُ الذرائِعُ
تُخَبِّرُني أنّي العشيرُ وأهلُها
وتَكذبُ منها ذي الفعالُ النوازعُ
عليها أمانُ الله ما عشتُ ميتاً
ويكفينيَ الأيامَ في اللَّحدِ رافعُ
تَجِزُّ بيَ الأنفاسَ أنّى تنفَّسَت
خوافقُ صدرٍ مزَّقَتهُ المَواجِعُ
تزيدُ عذاباتي وتستوقدُ الأسى
وتبرمُ حبلَ الموتِ ما عنهُ مانعُ
ويَلتفُّ مَحبوكاً ويصطَفُّ نسجُهُ
بِوادٍ على جنبيهِ طمرٌ يُقارِعُ
يدُقُّ بي الجِيدَ الضَّعيفَ ضَراوةً
وأسألُهُ أَنْ زِدْ فإنِّي لَخانِعُ
ويقتَصُّ منِّي والحياةُ ضَنينَةٌ
برحمتِها والعيشُ كالسُّمِّ ناقعُ
رضِيتُ بهِ حُكماً فما هَمَّ خافِقي
حياةٌ فكلُّ المرءِ حتماً لَضائعُ
وتقتُلُني همساً ولمساً كأنَّني
بَليتُ وكم تَبلى الجفونُ الهوامعُ
ولستُ بخوَّانٍ ولا أنا مُعرِضٌ
ولكنَّني في سكرةِ الموتِ قابعُ
أرى من نهاياتي سهاماً وقوسَها
فرَشقاً على قلبٍ بَكَتهُ السَّواجعُ
وحملاً على الأكتافِ نحو مآلهِ
وسبقاً إلى شِقٍّ سَقَتهُ المَصارعُ
وتعساً لهذا العمرِ لا دمتُ باقياً
ولا جَمعَتني بالحياةِ الجَوامعُ
ولا أبْصَرَت عينٌ من النّورِ بارقاً
ولا لامسَ الكفَّين بُرٌّ وناقعُ
فأرذَلُهُ مُرٌّ جَنِيٌّ قِطافُهُ
ويا خيبةَ الآتي ونفسي تُنازعُ
سأَجني وأستَجني وأُوسِعُ كُوَّةً
إليهِ هو الموتُ الرحيمُ المُسارِعُ
لعلَّ خطى الأيامِ تحمِلُ نفسَها
لألقاهُ إذ ترقى إليهِ المَطامعُ
فترثينيَ الآمالُ في كل ليلةٍ
وتبكي على ما كانَ مني السواجعُ
خصومةُ دنيا ما لها قطُ مذهبٌ
وفي صفحاتِ الغيبِ تبقى الودائعُ
جاسم الطائي
