المواجهة المؤجلة بين التقنية الناعمة وحرب الأعصاب
بقلم: أ.د. م. مهدي علي دويغر الكعبي
الخميس ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
مقدمة
تتجه أنظار العالم اليوم إلى ساحة مواجهة مختلفة ليست بالصواريخ ولا بالطائرات بل بحقل أفكار وصور وكلمات تُوجَّه صوب العقول والقلوب إنها حرب ناعمة تُشنّ عبر الإعلام النفسي والتكنولوجيا تهدف إلى زرع الخوف والارتباك وإضعاف الصمود الشعبي أمام هذا التيار تتجلى تجربة إيران التاريخية شعبٌ صقلته المحن وعمّقته العقيدة فتتحول أي حملة تهوُّع إلى عاملٍ يقوّي اللحمة الوطنية بدلاً من أن تهزها.
حرب الإعلام النفسي سلاح بلا مدافع
لم تعد الحرب اليوم مقصورة على جلَّاد الحديد والنار؛ فالكلمة قد تصبح قذيفةً أكثر تدميراً من القذيفة الحربية والتسريب الممنهج أخطر من الغارة المفاجئة تُبَثّ روايات مزوَّرة تُرسم سيناريوهات وتُستغل منصات التواصل والفضائيات لصنع انطباعاتٍ تمهيداً لتأجيج المشاعر. هذه «الحرب الناعمة» تستعمل الذعر كوسيلة لتفكيك الإرادة الشعبية قبل أن تُصارَع بأي سلاح مادي.
مقولة العدوان.. من يظنّ أنه يسقط إيران؟
يسوّق البعض لسيناريوهات تصف المواجهة القادمة بأنها حتمية ويتصوّرون أن ضغطًا إعلاميًا وتقنيًا كافٍ ليُقلب موازين القوة لكنّ التاريخ يعلمنا أن الشعوب ليست صروحًا رملية تُدفع بتيار إيران بتاريخها وتقاليدها ومكوّناتها الثقافية ليست كسائر الدول فالشعب هنا يمتلك ذاكرة مقاومة وإيمانًا يجعلانه يقاوم الإحباط ويصنع من التهديد حافزًا للمواجهة والتلاحم.
موازين الردع.. بين القوة المادية والوعي الوطني
المشهد العسكري الذي نراه من استعراض حاملات وطائرات وعمليات استطلاع قد يكون جزءًا من استراتيجية نفسية لمنع اتخاذ قرارات خاطئة أو لفرض مناخٍ من الضباب إلا أن الردّ الحقيقي لا يقاس بالزخم الإعلامي وحده بل بقوة الردع المتراكمة والجاهزية الدفاعية والقدرة الصاروخية التي تحسم الحسابات على الأرض. وهنا رسالة واضحة أي عدوان لن يمرّ دون ثمن باهظ وأن آخرية الوجود ليست بيد المعتدي.
الدور الداخلي .. الإعلام الوطني كدرعٍ ومرآة
في مواجهة آلة التضليل يلعب الإعلام الوطني دور الدرع والبلسم معًا درع لأنه يحجب زوابع الخوف عن الجمهور ومرآة لأنه يعكس الحقائق ويؤكد المواقف التي تُبنى عليها الثقة خطاب واضح متزن وحازم يزرع في النفوس يقينًا بأن الشعب والقيادة على استعدادٍ كامل لتصعيد الرد عند الحاجة.
الأبعاد الإقليمية والدولية
إن أية مواجهة لا تبقى معزولة؛ فروسيا تحذر من مخاطر تفجّر المنطقة، والصين تُظهِر مواقف دبلوماسية تحفظ مصالحها والدوائر الغربية تحاول استشراف مسارات قد تدخِل المنطقة في دوامةٍ لا تُحمد عقباها لكنّ قراءة الإيرانيين للمشهد تُعدّ واقعية ما يجري ليس مجرد مناورة حدودية بل لعبة على لوحة وجود قد تُجمِع الداخل على مواجهةٍ شاملة إذا فُتِحت أبوابها.
التقنية الناعمة سلاح قد يسقط دولًا… لكنه لا يهزم أمّةً مُؤمنة
التكنولوجيا الناعمة والإعلام النفسي قادران على زعزعة استقرار أنظمة وعلى نسج سرديات تعيد هندسة وعي الجماهير لكنّها تَفشل عندما تصطدم بأمةٍ واعيةٍ ذات جذورٍ ثقافية وروحية مُتينة التهديدات الخارجية تُستدعى فتتحول إلى حافز للوحدة بدلاً من أن تكون سببًا في التشظي.
في النهاية .. المواجهة المحتومة ليست فقط ميدانًا عسكريًا
اليوم نقف عند مفترق معركة الوعي قبل الرصاصة ومعركة الكلمة قبل المدفع الشرارة التي يلوّح بها البعض قد تكتب بداية فصلٍ جديد في تاريخ الشرق الأوسط أو قد تكون آخر فصول مشروعٍ قائمٍ على الاستكبار والهيمنة وفي كلتا الحالتين عليكم أن تعلموا إيران بشعبها وقيادتها وجيشها ليست بملاءةٍ قابلة للطيّ ولا بأداةٍ تُكَسَّر الصمود عنوانٌ والإصرار ميزان والنصر في النهاية نصيبٌ لمن يملك الإرادة والوعي.
“حرب الأعصاب .. الرد القادم” — عنوانٌ يذكّر بأن الحروب تنتهي عندما يزول مَن خطط لها وإلى أن يكتب التاريخ فصوله النهائية فلن يبقى لنا سوى التأهُّب الحِراسة على وحدتنا واليقين بأن الحقَّ لا يُهزم