
“من مآثر التاريخ”.. شهادة وفاء لذاكرة الثورة الجزائرية في الأوراس
كتبت: سمية معاشي
في عمل توثيقي زاخر بالمواقف البطولية والحقائق التاريخية، يصدر الأديب الجزائري جمال جفالي كتابه المعنون “من مآثر التاريخ”، مخصصاً إياه لسرد السيرة النضالية للمجاهد الراحل مسعود أزروال جفالي، أحد صانعي فجر الثورة الجزائرية في منطقة الأوراس. ينقل المؤلف القارئ بأسلوب أدبي مؤسس على شهادات ومصادر، إلى قلب الأحداث التي سبقت اندلاع الثورة التحريرية، كاشفاً عن تفاصيل غير شائعة حول التخطيط السري، تعبئة الموارد، وتفجير أول رصاصة في وجه الاستعمار الفرنسي.
الكتاب يُعد نافذة على الخلية السرية التي تأسست في الأربعينيات تحت إشراف القائد الثوري مصطفى بن بولعيد، وضمّت خمسة عشر رجلاً من بينهم الصادق شبشوب وعاجل، إضافة إلى المجاهد مسعود جفالي. هؤلاء، الذين وصفتهم الإدارة الاستعمارية الفرنسية بـ”الخارجين عن القانون”، شكّلوا نواة الإعداد للثورة المسلحة، مدفوعين بإيمان راسخ بعدالة قضيتهم وتوقهم للحرية.
يروي الكتاب المراحل الدقيقة من جمع الأموال بوسائل سرية، وتهريب الأسلحة من تونس وليبيا، وتخزينها في عمق الصحراء ثم نقلها إلى ديار المجاهدين في الأوراس، حيث تم توزيعها بالتنظيم والدقة رغم قلة الإمكانيات. كما يتطرق إلى صناعة الخنادق في الجبال، وتوفير اللباس والتجهيزات للمقاتلين في ظروف قاسية، وكل ذلك استعداداً لتفجير الثورة.
وتحتل تبابوشت ببلدية كيمل مكانة رمزية في السرد، حيث انطلقت أول رصاصة معلنة ميلاد الكفاح المسلح، ليبدأ فصل جديد من النضال الوطني. يسرد المؤلف التطورات التي مرّت بها الثورة، من التدريبات المكثفة، إلى إصدار القوانين، وتنظيم الجيش، وتقسيمه إلى نواحٍ وولايات، وتطوير منظومة الاتصالات بين المجاهدين داخل وخارج الحدود.
كما لا يغفل الكتاب عن ذكر المعارك الشرسة التي شهدها الأوراس، حيث يسردها بواقعية مؤثرة، تسلط الضوء على الروح الثورية العالية للمجاهدين الذين قاتلوا بأسلحة بدائية أمام جيش مدجج.
“من مآثر التاريخ” ليس فقط توثيقاً لحياة مجاهد، بل هو إحياء لذاكرة جماعية نادرة، وتكريم لرجال مجهولين نذروا حياتهم لاستقلال الجزائر. بأسلوبه السلس والموثق، ينجح جمال جفالي في جعل القارئ يلامس نبض الثورة، ويستشعر تضحيات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

