الرئيسية

الصعاليك الجدد: بين الإقصاء الفكري والمواجهة الحضارية بقلم الدكتور عبد الحق شعلان متابعة: سمية معاشي

الصعاليك الجدد: بين الإقصاء الفكري والمواجهة الحضارية

بقلم الدكتور عبد الحق شعلان

متابعة: سمية معاشي _____

في تاريخ الأدب العربي، ارتبطت فئة من الشعراء بعنوان “الصعاليك”، وهم أولئك الذين تم نبذهم من قبائلهم لأسباب متنوعة، فاختاروا حياة التمرد على القيم الاجتماعية السائدة في تلك الفترة. كان من أبرز هؤلاء الشعراء الشنفرى وعروة بن الورد، الذين تركوا إرثاً شعرياً غنياً، يعكس معاناتهم من الإقصاء والنبذ داخل قبائلهم. ولقد لاذوا بقبائل أخرى وعبّروا عن همومهم وآلامهم من خلال قصائد تعدّ شاهداً على حالة التهميش والرفض الاجتماعي الذي عاشوه.

 

اليوم، وفي عصرنا المعاصر، يظهر “الصعاليك الجدد” الذين يتخذون من الكتابة والاحتجاج سبيلاً لمواجهة الاستبداد والظلم. هؤلاء المفكرون والكتّاب، الذين أُجبروا على مغادرة أوطانهم بسبب مواقفهم الفكرية أو السياسية، يتعاملون مع قضايا الحرية والكرامة الإنسانية في سياق مختلف، ولكنهم يشتركون مع أسلافهم في روح التمرد والنقد.

 

من بين هؤلاء، نجد أسماء كبيرة مثل نصر حامد أبو زيد وعلي شريعتي، اللذين دفعا ثمناً غالياً من حياتهما بسبب آراءهما. كما نجد الشاعر العراقي مظفر النواب، الذي خاض معركة ضارية ضد الأنظمة القمعية، ولاقى عقوبات قاسية بسبب شعره الذي كان يفضح ممارسات السلطة. وقد اختار معظم هؤلاء الكتاب اللجوء إلى بلدان توفر لهم الأمان والاستقرار، إلا أن ارتباطهم الفكري والعاطفي بأوطانهم الأم ظل قوياً، وظلت كتاباتهم مرآة لمعاناة شعوبهم وآلامهم.

 

إذا كان هناك اختلاف جذري بين “الصعاليك الجدد” و”الصعاليك” في العصر الجاهلي، فالمشترك بينهما يبقى في موقفهما النقدي تجاه النظام السائد، وفي نضالهما من أجل حرية الرأي والتعبير. لكن الفارق الأساسي يكمن في البيئة والواقع الذي نشأ فيه هؤلاء الكتاب. في العصر الجاهلي، كان المجتمع القبلي يتمتع بنظام داخلي يحكمه، رغم قسوته، حيث كانت المشكلة تتعلق بالتهميش الاجتماعي في إطار قبلي محدد. بينما في عالمنا المعاصر، وخاصة في العالم العربي، تبدو الأنظمة السياسية والاجتماعية أكثر تعقيداً، إذ تتجسد مشكلة الإقصاء في نمط من الاستبداد الذي يمارس باسم “الحرية” و”العدالة”، مما يجعل من المواقف النقدية والمقاومة الفكرية ضرورة في مواجهة الأنظمة القمعية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحرية.

 

لا شك أن العالم العربي، الذي يتفاخر بتقدمه في مجالات عديدة، لا يزال يعاني من العديد من التحديات التي تضعه في قفص الاتهام على صعيد الحرية الفكرية والثقافية. فأنظمة التعليم، الاقتصاد، وحتى الثقافة، غالباً ما تكون مستوردة، مما يجعلها بعيدة عن تلبية احتياجات الشعوب. في هذا السياق، تظهر حاجة ملحة لفتح نقاش عميق حول قضية هؤلاء الأدباء والمفكرين، بعيداً عن لغة الإقصاء والتخوين التي قد تشوّه الحقائق وتضيع الفرص.

 

إن التباين الفكري والإيديولوجي الذي يظهر في نقاشات اليوم حول هؤلاء “الصعاليك الجدد” يتطلب منا الوقوف بتمعن، مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما يحيط بهذا الجدل. وفي هذا الإطار، فإن الكتابة النقدية التي تصدر عن هؤلاء الأفراد هي في جوهرها تعبير عن “شتات الذات العربية” والتشرذم الذي يعصف بالكيانية العربية، وهي بذلك تمثل نداء للعودة إلى الوحدة والتضامن.

وفي الختام، لا يمكننا تجاهل أن هذا العصر، الذي يزخر بالعديد من المفكرين الذين يتعرضون للظلم والإقصاء، يعيش في “سجون” رمزية تكبل الحرية الفكرية، سواء كانت تحت شعار العدالة أو الحرية. إن مواجهة هذه السجون تتطلب إعادة النظر في المفاهيم التي تحكم هذه الأنظمة الفكرية والسياسية، والعمل على تعزيز بيئة تسمح بحرية التعبير والكرامة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار