رفض السيد مقتدى الصدر المشاركة في الانتخابات موقفٌ ثائرٌ في زمن الفساد .

رفض السيد مقتدى الصدر المشاركة في الانتخابات موقفٌ ثائرٌ في زمن الفساد ..
في خطوةٍ أثارت جدلاً واسعاً في الساحة السياسية العراقية أعلن السيد مقتدى الصدر رفضه المشاركة في الانتخابات المقبلة مُعلناً بصراحةٍ لاذعة لم ولن أشترك مع الفاسدين وأعداء الشعب العراقي هذا البيان ليس مجرد قرار سياسي عابر بل هو إعلانٌ عن استمرارية نهجٍ ثوريٍ راسخ في ضمير أتباعه ورسالةٌ واضحةٌ تُجسّد رفض الانخراط في نظامٍ يعتبره الصدر فاسداً وخائناً لثقة الشعب.
مابين السياق التاريخي والإرث الثوري .. من رحم الثائرين ( الحسين ) إلى ساحة السياسة ( المقاومة ) .
لا ينفصل موقف السيد مقتدى الصدر عن السياق التاريخي الذي شكّل هويته السياسية والاجتماعية.
ودون العودة إلى جذوره التاريخية والأيديولوجية. فشعار “وُلِدْنَا مِنْ رَحِمِ الثَّائِرِينَ” ليس مجرد كلماتٍ عاطفية بل هو تعبيرٌ عن هويةٍ سياسيةٍ وروحيةٍ تشكّلت عبر عقود من النضال ضد الظلم. من الإمام محمد باقر الصدر المفكر الذي واجه نظام صدام بقوة الفكرة إلى الشهيد محمد صادق الصدر الذي حوّل المساجد إلى منابر للتحرير والذي دفع حياته ثمنًا لموقفه يبدو مقتدى الصدر وريثًا شرعيًا لخطٍّ ثوريٍ يرفض المساومة.
فكما ذكر في كلمته .. ولدنا من رحم الثائرين وتربينا على نهج الحسين وهو إشارةٌ واضحةٌ إلى الإرث الجهادي والثوري لعائلة الصدر وهذا النهج الحُسيني الذي يُقدّم التضحية والموقف الأخلاقي فوق المصالح الضيقة – هو ما يحرك قرار الصدر اليوم.
فالصدر الذي قاد جيش المهدي في مقاومة الاحتلال الأمريكي وتحوّل لاحقاً إلى قوة سياسية جماهيرية يرى أن المشاركة في العملية السياسية الحالية تعني الشراكة مع الفاسدين أي مع النخب التي استفادت من النظام الطائفي والمحاصصاتي الذي أعقب سقوط نظام صدام حسين. وهو بذلك يضع نفسه خارج دائرة السلطة لكنه يبقى داخل دائرة التأثير الشعبي والضغط الثوري.
حتى عندما دخل المعترك السياسي بعد 2003، حمل معه نفس الروح: قاد جيش المهدي ضد الاحتلال الأمريكي، ثم تحوّل إلى قوة ضغط جماهيرية، مستخدمًا شعبويته الواسعة ليهزّ عروش الفاسدين. اليوم، يرى أن المشاركة في الانتخابات تحت سقف النظام الحالي هي شراكة مع “أعداء الشعب”، وهو تعبيرٌ واضحٌ عن إيمانه بأن الإصلاح لا يمكن أن يأتي من داخل مؤسساتٍ فاسدةٍ بُنيت على المحاصصة والطائفية.
الرسالة السياسية .. بين المقاطعة والمقاومة .
قرار الصدر ليس جديداً في مسيرته فقد سبق أن قاطع الانتخابات أو سحب كتلته البرلمانية في مناسبات سابقة كإشارةٍ إلى رفضه لفساد الطبقة الحاكمة لكن هذه المرة يأتي القرار مُحمّلاً برمزية أعمق حيث يُقدّمه كـ جندي من جنود العراق مؤكداً أنه لن يتخلى عن دوره كحارسٍ لضمير الشعب وكمُعارضٍ شرسٍ للفساد.
هذا الموقف يطرح تساؤلاتٍ حول جدوى المشاركة السياسية في ظل نظامٍ يعاني من أزمات بنيوية.
كما يفتح الباب أمام تحالفاتٍ جديدة قد تعتمد على الضغط الشعبي بدلاً من التمثيل البرلماني. فالصدر يعتمد على قاعدته الجماهيرية الهائلة والتي تمنحه القدرة على حشد الشارع وإرباك خصومه دون الحاجة إلى مقعدٍ في البرلمان.
التحديات والمستقبل: هل يُغيّر الصدر قواعد اللعبة؟
في الوقت الذي يتّهمه خصومه بالعزوف عن المسؤولية السياسية المباشرة يرى مؤيدوه أن موقفه تضحيةٌ تُذكّر بثورة الحسين ضد نظام يزيد فالصدر يرفض أن يكون جزءاً من منظومةٍ يعتبرها غير قابلة للإصلاح من الداخل ويفضّل أن يبقى صوتاً معارضاً يهزّ الضمائر ويستفزّ الجماهير ضد الفساد.
لكن السؤال الأكبر هل يمكن تحقيق تغيير حقيقي من خارج المؤسسات؟ وهل ستنجح استراتيجية المقاطعة في إجبار النخب الحاكمة على الإصلاح أم أنها ستُبعد الصدر عن مركز التأثير؟ التاريخ سيحكم لكن ما هو واضحٌ الآن أن السيد مقتدى الصدر اختار طريقاً يعتبره أكثر نقاءً طريقاً يُعيد فيه تعريف المقاومة ليس بالسلاح بل بالرفض المُطلق للانحدار الأخلاقي.
ثائرٌ بلا كرسي لكنه ليس بلا صوت .
السياسة عند الصدر ليست مناصب وامتيازات بل مواقفُ تُقاس بمدى إخلاصها للشعب. قراره بعدم المشاركة في الانتخابات هو تحدٍّ صارخ للنظام وتذكيرٌ بأن بعض الرجال يرفضون أن يكونوا أرقاماً في معادلة الفساد. قد يختلف البعض معه لكن لا يمكن إنكار أنه نجح مرة أخرى في إثارة الجدل حول شرعية النظام السياسي برمته.
الاستثناء الصدري … العقلانية والشفافية .
ما يميز الصدر عن كثيرين في الساحة العراقية هو قدرته على الخروج من الشرنقة الطائفية والتحول إلى خطابٍ وطنيٍ شامل فبينما ينغمس الآخرون في حسابات المحاصصة يتحدث بلغة الشارع العراقي البسيط، ملمًّا بآلام الناس اليومية. هذه “العقلانية الوطنية” كما يراها مؤيدوه هي إرث عائلة الصدر الذين جمعوا بين العمق الفكري والصلابة الثورية.
لكن الأهم هو أن الصدر رغم كل الانتقادات الموجهة إليه استطاع أن يبقى حاضرًا في الضمير الجمعي للعراقيين كـ “رجل الموقف” لا “رجل المنصب”. فهو يرفض أن يُقاس نجاحه بعدد المقاعد بل بقدرته على هزّ ضمير النظام
ثورة الضمير أم مجرد صرخة؟
قرار الصدر يضعنا أمام أسئلةٍ وجودية عن مستقبل العراق هل يمكن بناء دولة من خارج المؤسسات؟ هل يكفي الرفض الأخلاقي لتغيير نظامٍ متجذرٍ في الفساد؟ الصدر يجيب بنعم ويختار أن يكون صوتًا صادحًا في وجه العاصفة حتى لو كان الثمن هو البقاء خارج السلطة.
في النهاية ..
سواءٌ أكان موقفه خطوةً نحو التغيير أم مجرد صرخةٍ في الفراغ يبقى مقتدى الصدر ظاهرةً تستحق الدراسة. فهو ليس سياسيًا تقليديًا بل ثائرًا يرفض أن يُختزل في لعبة السياسة مفضلًا أن يكتب اسمه في سجلّ الذين قالوا “لا” عندما كان الجميع يقولون “نعم”. وبينما يتسابق الآخرون على الكراسي يذكرنا الصدر بأن بعض القيم تُباع إذا دخلت سوق المساومة.
سأبقى في هذا الطريق طالما حييت … جملةٌ تُلخّص إصرار رجلٍ قرّر أن يكون ثائراً حتى النهاية سواءٌ أكان في سدة الحكم أم في قلوب الملايين الذين يرون فيه آخر أملٍ في مواجهة الفساد.
الكاتب والمتابع
الأستاذ المساعد الدكتور مهدي علي دويغر الكعبي