الارتباط الجوهري بين فقه آل الصدر وثقافة مدرسة الحسين (ع) في كلمة السيد مقتدى الصدر .. رؤية في رفض “الديانة الإبراهيمية–

الارتباط الجوهري بين فقه آل الصدر وثقافة مدرسة الحسين (ع) في كلمة السيد مقتدى الصدر .. رؤية في رفض “الديانة الإبراهيمية–
بقلم الكاتب والمحلل الأكاديمي
أ.م.د مهدي علي دويغر الكعبي
عندما يتكلم السيد مقتدى الصدر بروح الوطن والعقيدة .. امتداد آل الصدر من جذور مدرسة الحسين (ع).
حين يتكلم السيد مقتدى الصدر لا يتحدث مجرد رجل سياسة أو زعيم تيار بل نسمع صوتًا ينبعث من عمق التاريخ صوتًا يحمل إرثًا فقهيًا وثوريًا متجذرًا في دماء الشهداء وصدىً لمدرسة الحسين (ع) التي لم تكن يومًا رواية للدموع بل مشروعًا للتحرير والهوية والكرامة.
فكلمته ليست مجرد خطاب بل امتدادٌ حيّ لآل الصدر كأن السيد محمد باقر الصدر قد بعث من جديد وكأن السيد الشهيد محمد صادق الصدر قدس الله سره لا يزال يصعد منبر الجمعة. إننا أمام “كلمة” تتغذى من جذور العقيدة وتنهل من معين الحسين فتغدو عنوانًا للرفض والصمود في وجه كل محاولات التذويب والانصهار.
إرثٌ فقهي وثقافة جهادية .
تمثل عائلة الصدر أحد أبرز الرموز الفكرية والسياسية في التاريخ الشيعي الحديث حيث جمعت بين العمق الفقهي والالتزام بالعمل الاجتماعي والسياسي. فمن الآباء المؤسسين كالسيد محمد باقر الصدر الذي أسس مدرسة فقهية تجمع بين الأصالة الإسلامية والتفاعل مع قضايا العصر إلى السيد محمد صادق الصدر الذي ركز على تفعيل دور الجماهير في مواجهة الظلم وصولًا إلى السيد مقتدى الصدر الذي يحمل اليوم راية الجمع بين الفقه الثوري وثقافة المقاومة المستمدة من نهج الإمام الحسين (ع).
فقه آل الصدر .. العدالة الاجتماعية والمواجهة مع الاستكبار .
يُعتبر فقه آل الصدر امتدادًا لمدرسة أهل البيت (ع) التي تجعل من “الجهاد في سبيل العدالة” ركنًا أساسيًا فالسيد محمد باقر الصدر مثّل نموذجًا للفقيه المجاهد حيث دعا إلى مقاومة الاستبداد عبر تأسيس “حوزة علمية ناضجة” ترفض الانكفاء عن هموم الأمة وتتبنى قضاياها المصيرية أما السيد محمد صادق الصدر فقد حوّل الخطاب الفقهي إلى حركة جماهيرية من خلال “صلاة الجمعة المليونية” مؤكدًا على دور الدين في تحرير الإنسان من الخوف والتبعية.
هذا الفقه لا ينفصل عن رؤية شمولية تُعلي قيمة “المقاومة الثقافية” كضرورة لمواجهة المشاريع الاستعمارية وهو ما يظهر جليًا في كلمة السيد مقتدى الصدر الذي يربط بين الفقه والسياسة مستلهمًا إرث أسرته في رفض التطبيع ومواجهة الهيمنة.
مدرسة الحسين (ع) .. الهوية المتماسكة والرفض المطلق للذوبان ..
إن ثقافة الإمام الحسين (ع) ليست مجرد ذكرى تُروى بل منهج حياة يقوم على مبادئ .
1 – التمسك بالهوية العقائدية رغم كل محاولات الفناء لأن العقيدة هي جوهر الانسان.
2 – الرفض المطلق للظلم . لأن الصمت عنه خيانة الله حتى لو كان الثمن الاستشهاد.
3 – التضحية في سبيل القيم كأعلى درجات الإيمان لأن لا حرية بلا ثمن ولا كرامة بلا فداء.
وهنا تتقاطع مدرسة الحسين (ع) مع فكر آل الصدر حيث يُعتبر “الرفض” جوهرًا مشتركًا رفض الانصياع للمشاريع الوافدة ورفض المساومة على الثوابت ورفض الصمت تجاه التحديات الوجودية.
السيد مقتدى الصدر و”الديانة الإبراهيمية” ..امتداد للثوابت .
في كلمة حول ما يُسمى بـ”الديانة الإبراهيمية” يظهر السيد مقتدى الصدر امتدادًا واضحًا لهذا الإرث المزدوج (فقه آل الصدر وثقافة الحسين).
فهو يرى في هذا المشروع خطرًا على الهوية الإسلامية مستخدمًا مصطلحات تحمل دلالات عميقة .
الثوابت كخط أحمر .. الولاية، الجهاد فلسطين .
كلمة السيد مقتدى الصدر تؤكد أن المشروع الصدري هو دفاع مستمر عن ثوابت ثلاث لا مساومة فيها .. ( تذويب الهويات ) .
– الولاية باعتبارها ركيزة منظومة العدل الإلهي.-
وإشارة إلى محو الخصوصيات العقائدية التي أرادها الله اختبارًا للإنسان.
– الجهاد باعتباره أداة رفض الهيمنة . خنجر في خاصرة دين محمد (ص) تعبيرٌ عن رفض أي مسعى لتهميش الإسلام كدين خاتم.
– التسلل الناعم باسم التسامح .كشفٌ لآليات التطبيع الخفيّة التي تستهدف القضية المركزية (القضية فلسطين). باعتبارها معيار الانتماء الحقيقي.
هذا الخطاب ليس مجرد رفضٍ عاطفي بل هو نتاج رؤية فقهية تعتمد على ..
– الحفاظ على الثوابت .. كالولاية والجهاد والتي تشكل أعمدة الفكر الصدري.
– التمييز بين الحوار الإيجابي والذوبان السلبي . فالحوار لا يعني التنازل عن العقيدة.
– كشف المؤامرة . بربط المشروع بالاستكبار العالمي والصهيونية مستحضرًا تاريخ آل الصدر في فضح المخططات الخارجية.
الهوية كسلاح مقاومة ….
إن رفض السيد مقتدى الصدر لمشروع “الديانة الإبراهيمية” ليس موقفًا منعزلًا بل هو حلقة في سلسلة النضال الذي بدأه أسلافه من آل الصد وارتوى من دماء الحسين (ع) وأصحابه في كربلاء فهو يذكرنا بأن الهوية العقائدية ليست مجرد تراث بل سلاحٌ في معركة الوجود وأن التمسك بها هو الضمانة الوحيدة لاستمرار الأمة في مواجهة مشاريع التذويب.
في الختام.. الكلمة التي تقاتل .
قال السيد مقتدى الصدر . “لا تبيعوا عقيدتكم على موائد الأهواء”.
ليؤكد أن العقيدة ليست شعارات بل دم يسري في العروق وصوت يعلو عند الخطر وكلمة تُشهر كسلاح.
إنها كلمة تستحضر تراث الحسين لا للبكاء بل للبقاء
وتراث الصدر لا للذكرى بل للمواجهة
كأن التاريخ ينطق مجددًا من خلاله .
“هيهات منا الذلة”… ولكن هذه المرة بلغة معاصرة من رجل جمع بين إرث الحوزة ووجدان الشارع.
ففي زمن تُشترى فيه العقائد وتُسوّق الأوطان تبقى كلمة السيد مقتدى الصدر أعزّه الله جدارًا منيعًا وسيفًا مشرعًا، تقول للأمة:
ما زال الحسين بينكم… وما زال الصدر حيًّا فيكم.
كما قال (أعز الله كلمته):
— لا تبيعوا عقيدتكم على موائد الأهواء —— فالدين ليس سلعةً تُساوم بل هو دمٌ يسري في جسد الأمة يحمل روح الحسين وإصرار الصدر.