الأنا وأوليات الدفاع تأليف: آنا فرويد (Anna Freud)ترجمة: جورج طرابيشي بقلم / د. حنان حسن مصطفي. جمهورية مصر

الأنا وأوليات الدفاع تأليف: آنا فرويد (Anna Freud)ترجمة: جورج طرابيشي بقلم / د. حنان حسن مصطفي. جمهورية مصر العربية
يُعَدّ كتاب «الأنا وأوليات الدفاع» من أهم المؤلفات في تاريخ التحليل النفسي، فهو لا يكتفي بتكرار أطروحات سيغموند فرويد، بل يقدّم تطوّراً نوعيّاً فيها من خلال التركيز على دور “الأنا” في حماية الذات من القلق والصراعات النفسية الداخلية.
ترى آنا فرويد أن الإنسان لا يعيش فقط بين دوافع “الهو” الغريزية وقيود “الأنا الأعلى” الأخلاقية، بل يمتلك جهازاً نفسياً فاعلاً (الأنا) يعمل باستمرار على تحقيق التوازن بين الداخل والخارج، بين الرغبات والواقع، عبر سلسلة من الآليات الدفاعية اللاواعية.
الكتاب هو دراسة تحليلية دقيقة لهذه الآليات: كيف تنشأ؟ ولماذا تُستخدم؟ ومتى تكون ناجعة أو مَرَضية؟
ومن هنا فهو موجه إلى المهتمين بعلم النفس التحليلي، وإلى المعالجين النفسيين الذين يسعون إلى فهم أعمق لسلوك المرضى ودوافعهم الخفية.
المحاور الرئيسية
1. الأنا كجهاز دفاعي
تنطلق آنا فرويد من الأساس الفرويدي القائل بأن النفس البشرية تتكوّن من ثلاثة أجهزة:
الهو: مستودع الدوافع الغريزية واللذة.
الأنا الأعلى: الضمير والمثل والقيم.
الأنا: الوسيط الواقعي بين الاثنين، وهو من يتحمّل عبء الصراع.
تضيف المؤلفة بعداً جديداً:
الأنا ليس مجرّد “حَكم” بين الرغبة والواجب، بل حارس يستخدم آليات دفاعية لاواعية لحماية الذات من القلق والتهديد.
هذا النشاط الدفاعي يحدث في اللاوعي، دون إدراك مباشر من الفرد.
2. آليات الدفاع النفسية
تُفصّل آنا فرويد في أنواع الدفاعات التي يلجأ إليها الأنا لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، وهي آليات لاشعورية تهدف إلى تخفيف التوتر النفسي وحماية الذات.
من أبرزها:
النفي (Denial): رفض الواقع المؤلم أو عدم الاعتراف بوجوده.
الكبت (Repression): طرد الأفكار والرغبات غير المقبولة إلى اللاوعي.
الإسقاط (Projection): نسب الصفات المرفوضة في الذات إلى الآخرين.
التسامي (Sublimation): تحويل الدوافع الغريزية إلى أنشطة مقبولة اجتماعياً (الفن، العلم، الإبداع).
العزل (Isolation): فصل المشاعر عن الحدث المؤلم أو عن الفكرة المثيرة للقلق.
الارتداد على الذات (Turning against the self): تحويل العدوان نحو الذات بدلاً من الآخرين.
التكوين العكسي (Reaction Formation): التعبير عن عكس ما يشعر به الفرد فعلاً (إظهار حب مفرط لمن يكرهه مثلاً).
التماهي بالمعتدي (Identification with the aggressor): تَبَنّي صفات المعتدي لتخفيف الخوف منه.
العقلنة (Rationalization): إيجاد تبريرات منطقية لسلوك غير منطقي.
هذه الآليات ليست سلبية بالضرورة، إذ إنها تحافظ على توازن النفس وتمنع الانهيار، لكنها تصبح مرضية عندما تتحول إلى أسلوب دائم للهروب من الواقع.
3. النصر والهزيمة في صراع الأنا
تشرح آنا فرويد أن نجاح الأنا في تحقيق توازنه الداخلي يظهر في:
القدرة على تخفيف القلق.
تأمين حد معقول من الإشباع والرغبة دون الشعور بالذنب أو الخوف.
حين تنجح هذه الآليات الدفاعية، نقول إن الأنا انتصر.
أما إذا فشلت — كما في حالات العصاب (الاضطرابات النفسية) — فذلك دليل على هزيمته أمام الصراعات الداخلية، فيتحول الدفاع إلى عرض مرضي.
4. البعد العلاجي: من الوعي إلى الشفاء
يركّز الكتاب على الجانب العملي في العلاج النفسي الديناميكي.
الهدف ليس إزالة الدفاعات كلياً، بل مساعدة المريض على الوعي بها وتوجيهها بوعي حتى لا تبقى سجناً داخلياً.
من خلال تحليل آليات الدفاع التي يستخدمها الفرد، يتمكن المعالج من:
فهم دوافع المريض وسلوكياته.
تعميق وعيه الذاتي.
تحويل دفاعاته إلى طاقة بنّاءة.
كما يوضح الكتاب أن هذا النهج يعزّز قدرة الأطباء النفسيين على تفسير سلوك مرضاهم بشكل أدق، وخاصة في اللقاءات السريرية.
5. موقع «الأنا وأوليات الدفاع» في الفكر التحليلي
تُعتبر هذه الدراسة حلقة وصل بين نظرية فرويد الكلاسيكية وبين التحليل النفسي الحديث الذي ركّز على الأنا والعلاقات الموضوعية.
فآنا فرويد نقلت مركز الاهتمام من الدوافع الغريزية إلى البنية الدفاعية للأنا، ممهدة الطريق لأجيال من المحللين النفسيين (مثل إريك إريكسون وملاني كلاين) لتوسيع مفهوم الذات في سياق اجتماعي وتربوي.
الخلاصة
«الأنا وأوليات الدفاع» ليس مجرد شرح لآليات نفسية، بل هو بيان في فلسفة الصراع الداخلي للإنسان.
فيه تكشف آنا فرويد كيف يحاول الإنسان، بذكاء لاواعي، أن يحمي ذاته من الألم والتهديد.
لكن هذه الحماية إن لم تُرافق بالوعي تتحول إلى سجن داخلي يمنع النمو النفسي والنضج.
يُقدّم الكتاب رؤية متوازنة: الدفاعات ضرورية، لكنّ الوعي بها هو ما يجعلها أدوات حياة لا أدوات إنكار.
ولهذا يُعتبر هذا العمل حجر الأساس في فهم الذات البشرية ككائن دفاعي واعٍ، وفي بناء مدارس العلاج النفسي الحديثة التي تربط الفهم بالشفاء.



