المقالات

القيادة من المنظور القرآني: في الماضي والحاضر والمستقبل كتب/عبدالله صالح الحاج–اليمن

القيادة من المنظور القرآني: في الماضي والحاضر والمستقبل كتب/عبدالله صالح الحاج–اليمن

 

🜂 *المقدمة والتعريف*:

منذ أن نُفخ في الإنسان سرّ الاستخلاف، ارتبطت القيادة في جوهرها بالمسؤولية لا بالهيمنة، وبالعقل لا بالعصا، وبالضمير لا بالجبروت. وفي زمن تتنازع فيه الأمم على منابر السلطة، يقف القرآن الكريم كدستور خالد يُعيد تعريف القيادة في أسمى معانيها، مؤكدًا أن القائد ليس من يُخضع الناس، بل من ينهض بهم نحو الحق والعدل والارتقاء الإنساني.

 

*ومن هنا نستخلص *تعريف القيادة من المنظور القرآني*: فنجدها مسؤولية عظيمة تتطلب العدل، والحكمة، والرحمة، والبصيرة، وهي القدرة على حماية حقوق الناس، وتحريك الضمائر نحو العمل الصالح، ورفع مستوى وعي الإنسان وكرامته، بحيث يُصبح القائد سببًا في نهضة أمته لا مجرد متحكم في منصب أو سلطة.

 

🜂 *القيادة في الماضي: مدرسة الأنبياء*

حين نسترجع التاريخ القرآني، نرى أن القيادة لم تكن حكمًا مطلقًا، بل رسالة قائمة على الإيمان والبصيرة.

موسى عليه السلام واجه أعتى طاغية في التاريخ بقول هادئ لكنه حاسم:

 

> “فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى” (طه: 44)

هذا هو جوهر القيادة القرآنية: حزم في الموقف، ورحمة في الأسلوب، وإيمان لا تهزه الجبال.

 

يوسف عليه السلام مثّل نموذج القيادة الاقتصادية الواعية، حين أنقذ مصر من مجاعة محققة عبر رؤية طويلة المدى تقوم على التخطيط والإدارة الحكيمة. لم يكن ملكًا، لكنه صار قائدًا حقيقيًا لأن الإيمان والعقل اجتمعا في قراره.

 

أما داوود وسليمان عليهما السلام، فقد جمعا بين القوة والعدل والحكمة، فأثبتا أن القيادة لا تقوم على البطش، بل على توازن دقيق بين الهيبة والرحمة، بين السلطة والمبدأ.

 

🜂 *القيادة في الحاضر: أزمة ضمير وتيه أمة*

في عصرنا، لم تعد القيادة رسالة كما كانت، بل غدت في كثير من الأحيان وسيلة للهيمنة والسيطرة.

تغيب البصيرة حين تُختزل القيادة في الكرسي، ويُغيب العقل حين يصبح الولاء للشخص لا للمبدأ.

 

تراجع مفهوم الأمانة الذي أكّده القرآن بوضوح:

 

> “إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا…” (الأحزاب: 72)

 

اليوم، الأمة بحاجة إلى قائد يسمع أنين الجائع قبل تصفيق المنافق، ويزن القرارات بميزان العدل لا بسطوة النفوذ.

القيادة الحقيقية ليست في الخطابات الرنانة ولا في الصور المعلقة، بل في قدرة القائد على تحريك الضمائر نحو العمل، وإحياء الوعي الجمعي في قلوب الناس.

حين يغيب القائد القرآني، يتيه الحاضر، وتتحول الأمة إلى قافلة بلا دليل في صحراء المصالح المتقاطعة.

 

🜂 *القيادة في المستقبل: الارتقاء بالإنسان لا بالسلطة*

المستقبل لا ينتظر القائد الذي يملك القوة فحسب، بل الذي يملك الوعي والحكمة والرؤية.

القائد القرآني في المستقبل سيكون من يستلهم من يوسف التخطيط، ومن موسى الشجاعة، ومن محمد ﷺ الرحمة والحكمة.

سيكون قائدًا يرتقي بأمته لا بمنصبه، ويجعل من الدولة أداة لخدمة الإنسان لا لاستعباده.

المستقبل الذي ينهض على قيم القرآن سيعيد بناء مفهوم القيادة على أسس الشورى والعدالة والتقوى، لأن القيادة الحقة لا تستمد شرعيتها من الوراثة أو القوة، بل من الرؤية والقدرة على بناء الإنسان.

 

> “وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ” (السجدة: 24)

 

تلك الآية تلخّص جوهر القيادة المستقبلية: الصبر والإيمان، الرؤية والثبات، والإخلاص قبل الطموح.

 

🜂 *خاتمة القول*:

من الماضي الذي أنارته الحكمة، إلى الحاضر الذي يعاني من التيه، إلى المستقبل الذي ينتظر الارتقاء؛ تبقى القيادة القرآنية النموذج الأبقى الذي لا يشيخ مع الزمن.

القائد في المنظور القرآني هو من يرى بنور الله لا بنور المصالح، ومن يجعل من الأمة مشروعًا حضاريًا، لا مجرد رعية تُدار بالأوامر.

وحين ينهض هذا القائد، ستنهض الأمة معه، لأن القرآن لا يقدّم قيادة فردية، بل مشروع أمة واعية تسير على درب الإيمان والعقل، لتصنع مستقبلًا يليق بكرامة الإنسان.

 

> “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” (الرعد: 11)

 

🜂 *القيادة في القرآن*:

ليست سلطة تُمنح، بل مسؤولية تُؤدى؛ ومن فهمها حق الفهم صار قائداً لا يُنسى، ورمزًا يُحتذى، وامتدادًا لرسالة الأنبياء في ارتقاء الإنسان.

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار