المقالات

أفكار بصوت مرتفع بقلم الكاتبة الصحفية زينب كاظم جمهورية العراق 

أفكار بصوت مرتفع بقلم الكاتبة الصحفية زينب كاظم جمهورية العراق

فوبيا مجيء الضيوف

سنتحدث في هذا المقال عن المخاوف الشديدة التي تصيب الكثير من الناس عند مجيء الضيوف أو عند أخبارهم أنه سيأتي ضيوف إلى البيت رغم أنهم أناس اجتماعيين وودودين ومحبين للناس وليسوا ببخلاء بطبيعتهم ورغم أنه مجتمعاتنا لا تخلو من الناس البخلاء والكارهين للبشر الا أنه حديثنا هنا ليس بصدد هؤلاء أنما نتحدث عن العاديين الذين يخافون من حضور الضيوف والأسباب كثيرة جدا أولا الطاقة الاجتماعية فبعض الأشخاص يحبون الناس لكنهم يتعبون من الإختلاط الطويل إذ أن إستقبال الضيوف يحتاج جهد جسدي ونفسي، خصوصًا مع التحضير والاهتمام بالتفاصيل.

و القلق من التقييم فقد يخشى الشخص أن يُنتقد بيته أو ضيافته أو أسلوبه، فيتوتر قبل استقبال الضيوف ويفضّل تجنّب الموقف.

وهناك نقطة هامة أخرى يجب أن نسلط الضوء عليها وهي التجارب السابقة فإذا مرّ الإنسان سابقًا بضيوف أثقلوا عليه أو لم يحترموا الخصوصية فقد يكوّن صورة سلبية عن إستقبال الضيوف بشكل عام كذلك حب النظام والخصوصية فبعض الأشخاص يقدسون راحتهم وخصوصيتهم، ويرون أن الضيوف يكسرون روتينهم ويغيرون جو البيت ،و المسؤولية الزائدة فالكريم عادةً يحاول أن يكرم ضيفه بأحسن صورة وهذا يضع ضغطًا نفسيًا عليه: “هل سأقدّم ما يليق بهم؟” مما يجعله يتجنب إستقبال الضيوف من الأصل ويجب ألا ننسى الإرهاق أو الحالة المزاجية

إذا كان يعاني من تعب، اكتئاب، أو ضغوط، فاستقبال الضيوف يصبح عبئًا بدل أن يكون متعة.

إذن الكرم شيء داخلي في القلب والسلوك، لكن كره إستقبال الضيوف قد يرتبط بالتعب، القلق، أو حب الخصوصية، وليس بالبخل أو قلة المحبة.

وقد قرأنا وتابعنا العديد من الأبحاث في هذا الخصوص وللكثير من علماء النفس الذين درسوا تفسيرات لهذه الحالة لكن أقرب تفسير للواقع النفسي للكثير من البشر وأسباب اختناقهم من استقبال الضيوف هو تفسير كارل يونغ فإذا كان الإنسان يحب منزله الهادئ وروتينه غير المزعج وطاقته المحفوظة إذن هذه الأمور مألوفة على هذا النوع من البشر ،لكن الاختناق الذي يصيب الناس من مجئ الضيوف أمر بالكاد يعترف فيه أحد علنا ،فالانزعاج الحميمي الحقيقي وغالبا ما يساء فهمه لأولئك الذين لا يستطيعون دخول أحد إلى مساحتهم الشخصية فهم ليسوا فظين ولا منعزلين اجتماعيا ،فوفقا لكلام يونغ

صاحب علم النفس التحليلي قد يشير هذا السلوك إلى شيء أعمق بكثير في طبيعة الإنسان وهناك عدة استبصارات لهذا العالم تشرح لماذا لا يحب بعض الناس استقبال الضيوف ولماذا هذا ليس طبيعيا فحسب بل ممكن أن يكون هذا علامة على عملية نفسية داخلية قيمة ،أن الكثير من الناس يشعرون بالذنب عندما يرغبون أن يكونوا وحيدين لكن كارل يشرح لنا أسباب ذلك بوضوح وعمق إذ أن ذلك يدل على أنه أقرب لتطور الإنسان النفسي إلى عيب في الشخصية .

فإذا شعر الإنسان بعدم الارتياح عن ظهور أحد فجأة عند باب البيت دون سابق إنذار وهل يتساءل لماذا يشعر الناس بالبهجة عند التجمعات الإجتماعية والحفلات وزيارات المنازل بينما هو على الجانب الآخر يشعر بالإرهاق لمجرد التفكير باستقبال الضيوف أو ربما يستمتع بالحديث أو لديه علاقات جيدة لكن عند دخول أحد لمنزله ينكمش شيء في داخله كأن حضور شخص آخر يستنزف طاقته، وهناك تفسير لكل ذلك بكل تأكيد أن كارل يونغ هو أحد أعظم علماء النفس في القرن العشرين وهو أول من نشر مصطلحين معروفين الآن على نطاق واسع وهما الانطوائي والمنفتح علما أن ذلك ليس حديثا عن الخجل أو الإجتماعية فلم يتحدث العالم يونغ عن السلوك الإجتماعي بل عن حركة الطاقة النفسية فالمنفتح يوجه طاقته للخارج يتغذى من الإتصال والمحفزات الخارجية فالعالم الخارجي يمنحه القوة والانطوائي على الجانب الآخر يعمل بطريقة معاكسة تقريبا فإنه يشحن طاقته من الداخل ومصدر طاقته هو الصمت والتأمل الذاتي والعزلة وعندما يتعرض بشكل مفرط للعالم الخارجي والمحادثات الطويلة والزائرين غير المتوقعين والضوضاء أو المقاطعات يبدأ عقله بالاغلاق ليس السبب هو التكبر بل بسبب ضرورة نفسية وهذه هي النقطة المحورية وعدم الرغبة باستقبال الضيوف ليس نقصا اجتماعيا بل إنه تعبير مباشر عن كيفية هيكلة طاقة الإنسان فإذا كان انطوائيا فإن منزله ليس مجرد مكانا ماديا بل هو مساحة مقدسة وشرنقة ومكان يعاد فيه تنظيم الطاقة حيث يجد نفسه يوازنها وعندما يدخل أحد إلى تلك المساحة حتى ولو كان بحسن نية فإنه يلامس خيوطا غير مرئية كان ذلك الإنسان يفرزها طوال اليوم فبمجرد حضور الشخص الآخر يجبر ذلك الإنسان على تفعيل القناع (القناع الإجتماعي)وبالفعل هو كذلك لأن الإنسان يبتعد عن نفسه الحقيقية وهذا الأمر مرهق جدا وبعمق فالانطوائية ليست خيارا واعيا بل هي نزعة من الروح لذا مهما حاولنا مقاومة هذا الدافع الداخلي فإنه يؤدي فقط إلى مزيد من الصراع والإرهاق فيحكم المقابل علينا بأننا متحفظون للغاية وإننا لا نحب الصحبة لكن ما لا يراه الكثيرون هو هذا فما قد يبدو برودا أو عدم إهتمام هو غالبا مجرد حماية للذات أي درع نفسي وحدود غير مرئية أقامها اللاوعي لحراسة الذات الداخلية وأطلق يونغ على هذه العملية اسم الظل والظل هو جزء من الإنسان قد لا يعرفه بالكامل لكنه موجود وهادئ وخفي ويحكم مشاعر الإنسان وردود أفعاله وانزعاجه العميق ،فعند دخول الضيف إلى بيتنا نحن لا نفتح بابا ماديا فحسب بل أننا ندعوه بلا وعي إلى مساحة حيث تكون طاقتنا في أنقى حالاتها ولكن في أكثر حالاتها ضعفا وهنا يبدأ الظل بالتصرف والظل يحتوي على كل ما كبته الإنسان لسبب أو لآخر مثلا جوانب من شخصيته أضطر لإخفاءها ومخاوف قديمة وذكريات غير محلولة أو جروح لم تنطق ،فلتيخيل ذلك الإنسان أنه دق الجرس فجلس مع الضيف وبدأ الإثنان يتبادلان الحديث وبدلا من أن يرتاح الإنسان يبدأ بشعور الضيق في الداخل أو الشعور بالانزعاج بشكل غريب ولا يمكن اصلا تفسير السبب وفي الحقيقة أن حضور ذلك الضيف وصوته وطريقته في الوجود قد يلامس دون وعي نقطة عمياء في نفس الانسان شيء لم يجرأ بعد إلى النظر إليه شيء يعيش في الظل لذا قال ذلك العالم

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار